عطيات الأبنودي: حقّاً رفيقة عطا… لسّه «الأحلام ممكنة»

تعديل الدستور المغربي بمشاركة منظمات غير حكومية
أبريل 16, 2011
يعني ايه ديمقراطية؟
أبريل 16, 2011

ارشيف الأخبار

الأخبار
رضوان آدم يكتب

منذ أن اشتدّ وعيها في خنادق ستينيات قرنٍ ولَّى، لم تتوقف عن الجري خلف صور «الناس العاديين»، أولئك الذين داستهم أحذية المؤرخين. تشعل سيجارتها من ماركة «كليوباترا» التي لم تغيرها منذ خمسين عاماً. تأخذ نفساً عميقاً، وتقول كأنّها كانت تنتظر حركة التاريخ تلك منذ قرون: «عملوها ولاد الإيه! انتفضوا في «25 يناير»… العاديون، أبناء العابرين، بُناة الأهرام. قلبي انخلع من الانبهار، وعاد». بانفعال طفلة تتحدث عطيات الأبنودي، إحدى مخرجات الأفلام التسجيلية الأكثر شهرةً وتأثيراً في مصر والعالم الثالث. طفلة في الحادية والسبعين. رغم حماستها، تبدو قلقة بعض الشيء، تجتاحها أسئلة المستقبل: «ما حدث في مصر ليس ثورة، أو انتفاضة شبيهة بانتفاضة الطلبة عام 1968. في الثورات، يستولي الثوار على السلطة كما حصل في روسيا، ونيكاراغوا، وفيتنام، وكوبا، لكن أين الحزب القادر على تسلّم السلطة في مصر؟».

في عام 1971، عرضت المخرجة الشابة شريطها الوثائقي الأول «حصان الطين» في «جمعية الفيلم» في القاهرة. صوّرت في 12 دقيقة بالأسود والأبيض، معاناة أولاد ورجال ونساء، يعملون في صناعة الطوب، في ورشة قروية بائسة. من عملهم المضني هذا، يكسبون قروشاً تحول دون موتهم جوعاً. «منذ العرض الأول للفيلم، وتهمة الإساءة إلى سمعة مصر تلازمني. قالوا إن هذه المخرجة المبتدئة لطَّخت وجه البلد في الطين، ولا بد من معاقبتها، لكنني لم أكترث يوماً». اليوم اختلفت الأمور، وسقطت الحملات المسعورة ضدّها كأوراق التين: «حين ألتقي اليوم من شتموا أفلامي، «الساندويتش» و«أغنية توحة الحزينة»، و«سوق الكانتو» وغيرها، آخذهم بالأحضان. ماذا يهمّني؟ أبطال أفلامي وأبناؤهم، هم من نزلوا إلى الشارع، وعمّدوا بدمائهم انتفاضة الشعب».
لقد أرست عطيّات، خلال أربعة عقود من العطاء أنجزت خلالها أكثر من 25 شريطاً، مدرسة في فن صناعة الفيلم التسجيلي. مدرسة تتعامل مع الواقع بوصفه مادة فنية لا تحتاج سوى إلى من يراها ويطرح إشكاليتها بشاعرية كبيرة. حين وقفت خلف الكاميرا مطلع شبابها، كانت تضرب عرض الحائط بدور «سكرتيرة الرجل العظيم المحتمل»، الزوج الشاب الذي سيصبح في ما بعد شاعراً مشهوراً اسمه عبد الرحمن الأبنودي. لم يدم زواجهما، لكنّ عطيات عوض محمود خليل، فضّلت ألا تتخلى عن لقب الأبنودي.

في بداية مسيرتها الفنية، عملت طالبة الحقوق ممثلة ناشئة في مسرح الجيب منتصف ستينيات القرن المنصرم. كان الزوج حينها غير مقتنع بعملها في ميدان التمثيل. لم تكن تعرف ما الذي تريده من الفن وقتها، لكنّها لم تلجم روحها المسكونة بالجنون، بل قدمت أوراقها إلى «معهد السينما» في القاهرة لتدرس في قسم الإخراج، وتخرجت عام 1972.
قبل سفرها إلى إنكلترا لدراسة تقنيات السينما التسجيلية في «مدرسة الفيلم والتلفزيون الدولية»، ذاقت عطيات الأبنودي لحظات صعبة بسبب السياسة، خلال الحقبة الناصريّة. لم تنضمّ إلى أي تنظيم سري، لكنّ بيتها كان ملجأ كل المطاردين من الشرطة بـ «تهمة الشيوعية». كانت لا تزال زوجة للشاعر الذي سيدخل المعتقل في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1966، بتهمة الانتماء إلى تنظيم ماوي. لم يكن اعتقال عبد الرحمن الأبنودي مفاجأة، إذ كانت الشرطة قد ألقت القبض على أصدقائه واحداً تلو الآخر، بدءاً من المؤرخ صلاح عيسى، والروائي الأردني غالب هلسة، إلى الشاعر سيد حجاب، والناقد سيد خميس، والروائي جمال الغيطاني، والقاصّ يحيى الطاهر عبد الله بعد فترة من الهرب.

تتذكر عطيات الأبنودي الأشهر الصعبة التي سبقت الإفراج عن زوجها ورفاقه في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) من العام التالي. تقارنها بالسنوات التي لم تعشها معه، بعد انفصالهما عام 1989. تقول بلغة متسامحة مطمئنة: «لا أحب أن أدين أحداً، أنا مؤمنة بالتغيرات التي تحدث في النفس البشرية، وأحترم المنجز المشترك بيننا». من بين كتبها العديدة، كتاب منحته عنوان «أيام لم تكن معه»، يروي تجربتها مع الشاعر الذي أحيا «السيرة الهلالية»، وترجم إلى الإنكليزية أخيراً بعنوان «مواسم الغفران». بعد مرور سنوات على الانفصال، رفع الشاعر الشهير دعوى قضائية لمطالبة «الرفيقة عطا» ـــــ كما كان يوقع رسائله إليها ـــــ بالتخلي عن لقب الأبنودي. «هل هناك أحد في الدنيا يمكن أن يلغي تاريخه؟» تسأل. «هذا لقبي، وأنا حرة». تنظر صاحبة فيلم «الأحلام الممكنة» (1982) إلى صورة تحمل فيها ابنتها على كتفيها… تنفرج أسارير الأم بوضوح صوب ذلك الخيط المضيء.

في السنوات الأخيرة، لم تعد صاحبة «نساء مسؤولات» (1994) تردّ على هاتفها بين العاشرة مساءً حتى العاشرة صباحاً. «لو خبر حلو، ينتظر، ولو خبر سيء، فلا داعي إلى الغضب قبل النوم». تقضي يومها في القراءة، والكتابة. تعرب بوضوح عن قلقها من الأيام القادمة على مصر: «ليس هناك مرشح قوي للانتخابات الرئاسية، سأنتخب من لديه برنامج اجتماعي واضح». تتابع عن كثب ما يجري في تونس التي تعشقها، وليبيا، واليمن، والبحرين، وسوريا… «أنا قلقة جداً، ليس هناك حزب قوي يدعم الانتفاضات الشعبية في العالم العربي. نهضة النقابات العمالية المستقلة قد تكون خطوة، يجب أن يتبعها التنظيم، وتنمية الوعي، والعمل أكثر على ترسيخ مفهوم حقوق الإنسان. هذا سيحوّل ما يجري الآن، إلى ثورات جذرية في المستقبل».

تقول إنّها ستبقى مولعة بالحياة حتى آخر نفس. لا تراجع أفكارها القديمة، ولا تتعلّم من أخطائها. «أنا أكثر واحدة لا تتعلم من أخطائها، ولا أهتم في كل الأحوال. عندما أفقد شيئاً، أقول لنفسي ساخرة: حافظة نقود، وضاعت في الأوتوبيس». لكنّ عطيّات لا تضيّع وقتها. تعكف الآن على الانتهاء من مشروع نص بعنوان «وصف مصر بالكاميرا»… تغويها الكتابة الآن أكثر. «الصورة وثيقة، والكتاب وثيقة مختلفة، لها وظيفة أخرى». وتضيف: «الجيل الجديد من التسجيليين عليه أن يبدع، ويثور على كل القواعد. بالمناسبة، أنا لست أستاذة لأحد منهم، أبارك أعمالهم فقط، من حق كل واحد أن يكون هو نفسه».

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.