صناع التاريخ هم الأشخاص الذين أثروا بأفكارهم أوأفعالهم في مسار التاريخ في بلدانهم وفي العالم. وصناع التاريخ هو عنوان سلسلة كتب تثقيفية جديدة وشيقة للأطفال للكاتب آدم ساذرلاند، وهو كاتب متمرس في كتابة التاريخ والثقافة الشعبية والسير للأطفال. ضمن هذه السلسلة صدر حديثا كتاب «نساء غيرن التاريخ»، ترجمة فاديا قرعان، بمساعدة صندوق منحة الترجمة المقدمة من معرض الشارقة الدولي للكتاب. يبدو الكتاب للوهلة الأولى كمجلة معلومات مصورة، إلا أنه يحمل رسالة جريئة وواضحة أكثر مما يحمل من معلومات حول الشخصيات النسائية التي يقدمها. والتي اختارها بعناية لتحمل رسالته. نساء اتسمن بالشجاعة وهي الملمح الرئيسي والقاسم المشترك الأعظم في شخصيات صناع التاريخ.
(رفضت جميع صانعات التاريخ في هذا الكتاب القبول بالقوانين التي سنتها لهن بلادهن أو مجتمعاتهن. لم تقبل هؤلاء النساء بكلمة لا).
فمنهن نساء اخترن مجالات عمل لم يكن للمرأة وجود فيها بل، هناك مجالات لم تكن بالأصل موجودة فأوجدوها بإصرار يتجاوز الخيال.
مثل الإنجليزية اليزابيث أندرسون التي أرادت أن تدرس الطب، فرفض معهد الطب كل الطلبات التي تقدمت بها، لأنها امرأة، كان ذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فسجلت كطالبة تمريض، وبدأت تحضر محاضرات الأطباء، فاشتكى عليها زملاؤها الطلاب الذكور، فمنعت من الحضور، لكنها استطاعت أن تكمل تعليمها مع ذلك، ونجحت في امتحانات الطب، بل حازت المرتبة الأولى في الصف. لكن لم يقبل أي مستشفى بتوظيفها، فأسست (المستشفى الجديد للنساء) عالجت 3000 مريض قبل أن تكسب الثقة وتكسر جدار التحيز والتحامل على المرأة، ويقبل مستشفى شرق لندن بتعيينها طبيباً زائراً. وفي عام 1874 ساعدت على تأسيس معهد الطب للنساء في لندن.
الإيطالية فلورنس نايتنغيل التي أضحى عيد ميلادها يوماً عالمياً للتمريض، وأطلق اسمها على القسم الذي تردده الممرضات يوم تخرجهن. فتاة ولدت في عائلة غنية من عائلات الطبقة الراقية في إيطاليا، وبدلا من أن تعيش اهتمامات طبقتها ضغطت على والدها لسنوات لتحصل على إذن بالتدرب على التمريض، شاركت في إنقاذ الجنود الذين كانوا يسقطون في حرب القرم، جهودها أسفرت عن إنشاء صندوق لتدريب وتعليم الممرضات، فأمن الصندوق المال اللازم لإنشاء أول مدرسة للتمريض.
ماري كوري مرأة فازت بجائزة نوبل مرتين، مرة في الفيزياء ومرة في الكيمياء. لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة في وارسو لأنها كانت حكراً على الرجال، فدرست في جامعة سرية تسمى (الجامعة الطيارة)، و جمعت بين الدراسة والعمل حتى تمكنت من ادخار مبلغا من المال ساعدها على السفر إلى باريس وهناك سجلت في جامعة السوربون. أميليا إيرهارت أول امرأة تطير بمفردها عابرة المحيط الأطلسي. وأنجيلا ميركل بطلة رؤساء العالم في عصرنا الراهن.
وهناك نساء ناضلن من أجل كرامة المرأة وحقوق كل النساء والرجال أيضا، منهن المناضلة الإنجليزية إميلين بانكهرست التي طالبت بحق المرأة في الاقتراع، والتي شجعت النساء المؤيدات لها على استعمال العنف إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكانت من أبرز مثيري الشغب السياسي والاجتماعي في مطلع القرن العشرين كما وصفتها صحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون»، وقد قامت مع جماعتها بتحطيم زجاج النوافذ ومهاجمة ضباط الشرطة، وقضت فترات في الاعتقال هي وزميلاتها، وقبل وفاتها بوقت قصير كللت جهودها بالنجاح، وحصلت النساء على حق الاقتراع كالرجال.
أما روزا باركس الأمريكية من أصل إفريقي فرفضت أن تتخلى عن مقعدها في «الباص» من أجل راكب أبيض، وأعطت بذلك دفعا هائلا للحركات المطالبة بالحقوق المدنية.
المراهقة الباكستانية ملالا يوسفزاي اعترضت على حظر تعليم الفتيات الذي فرضته حركة طالبان بالقوة في إقليم «سوات» حيث تعيش، فتعرضت لمحاولة قتل.
المراهقة الألمانية آن فرانك اختبأت عامين مع عائلتها في قبو بأحد مكاتب والدها بعد أن وصلهم استدعاء رسمي إلى مخيم عمل نازي ثم سيقت بعد أن كشف المخبأ إلى المعتقل، وهناك ماتت قبل أن تبلغ عامها السادس عشر. تاركة في القبو دفتر يومياتها التي نشرها والدها بعد انتهاء الحرب عام 1947.
نساء رائعات، ليس بينهن امرأة عربية واحدة، لم يكن لكتاب للصغار أو للكبار أن يحصي كل النساء الرائعات صانعات التاريخ لكن كان لافتاً ومحبطاً نوعاً ما ألا يأتي الكتاب على ذكر امرأة عربية واحدة على رغم أنه تحرك ضمن حقبة زمنية طويلة تمتد لثلاثة قرون وحاول أن يجول بين قارات العالم إلى جانب محطته الأوروبية الرئيسية.