مقدمة
تتجلى أهمية تحليل تلك الأحكام ومناقشتها مناقشة تحليلية نقدية في الكشف عن التوجه القضائي في الأحكام الصادرة في هذا الشأن، وكشف وتحليل الاتجاه السائد بين القضاة ما بين تبرئة المتهمين في قضايا ضرب النساء أو الحكم عليهم بالحد الأدنى من العقوبة في أول درجة تقاضي والذي يتبعه في غالب الأحوال التبرئة عند الطعن على الحكم. كما تعكس هذه الأحكام انحياز القضاة في جرائم ضرب النساء وميلهم للبراءة دون الإدانة،. هذا الانحياز الذي في أغلب الأحوال يتأثر بأبعاد ثقافية مجتمعية لا ترى جُرم يُذكر أو استحقاق للإدانة في جرائم ضرب النساء، رغم تجريم فعل الضرب استنادًا إلى المواد 241 و242 من قانون العقوبات التي تجرم الضرب بأنواعه سواء وقع على النساء أو الرجال.
تسعى هذه الورقة إلى تحليل عدد من الأحكام القضائية الصادرة في قضايا ضرب النساء، بهدف الفهم والكشف عن العلاقة المرتبكة بين نصوص قانون العقوبات، وبين ممارسات تطبيقه داخل قاعات المحاكم. إذ أن تحليل هذه الأحكام لا يقتصر على تتبع حيثيات الحكم فحسب، بل ينطلق من إدراك أوسع بأن النصوص القانونية لا تصدر أو تُطبق في الفراغ، بل ترتبط وتتأثر بالسياق الثقافي والاجتماعي وخاصةً داخل المحاكم، وما تحمله من تصورات سائدة حول الأدوار الجندرية وحدود الحماية القانونية للنساء مما يضفي شرعية ضمنية لجرائم العنف وخاصةً في المجال الخاص وداخل نطاق الأسرة على وجه التحديد. حيث تُعد جرائم العنف الأسري واحدة من أكثر صور العنف ضد النساء شيوعًا وتطبيعًا معها في السياق المصري، نظير طبيعتها التي تبدو خاصة نتيجة ارتباطها بالعلاقات الأسرية وما تحمله من “خصوصية”، مما يؤدي إلى تراجع حدود التدخل والحماية القانونية أو القضائية.
ويُعد هذا التفاوت في تطبيق القانون والتساهل في العقوبات -بل والبراءة أحيانًا رغم توافر أدلة أو بالتناقض مع الحكم من الدرجة الأولى بالإدانة- أبرز صور الإفلات من العقوبات، وهي إشكالية قانونية ومجتمعية تساهم في تقويض مبدأ المساواة أمام القانون وضعف ثقة النساء في منظومة العدالة. كما يُسهم في استمرار هذا الوضع القائم هو غياب تشريع موحد لمناهضة العنف ضد النساء، وغياب الاعتراف بالعنف الأسري كجريمة ممنهجة وليست كنص عام مجرد يتساوى فيه النساء والرجال بمعزل عن السياق البنيوي للعنف الأسري كجريمة لا كوقائع فردية.
في ضوء ذلك، فإن تحليل نماذج من الأحكام الصادرة في قضايا ضرب النساء هو بمثابة مدخلًا لكشف مواطن القصور في البنية التشريعية والفجوات بين النص والتطبيق، حيث التطرق إلى طرق التأويل القضائي للنصوص القائمة، بما يستدعي طرح تساؤلات حول موقع النساء في منظومة العدالة الجنائية، وإمكانية الدفع نحو إصلاح قانونية أكثر حساسية وعدالة ومساءلة.
Powered By EmbedPress