كتابة: وفاء عشري
في سياق تصاعد العنف القائم على النوع، فإن مسألة “عدالة الإبلاغ”، حتى في فضاءات يُفترض أنها آمنة، محلّ تساؤل حقيقي، خاصة في سياق المنظمات النسوية والحقوقية التي تفترض أنها حليفة للنساء والفتيات. وتتزايد مخاوف الناجيات في اللجوء إلى هذه المنظمات، نظير العلاقات الداخلية المعقدة، ووجود أفراد من المتهمين بالتحرش ضمن هذه المنظمات. كما أضحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للبوح وفضح المتحرشين، مما يعكس حالة من الارتباك وعدم الثقة في سُبل الإبلاغ.
تُعاني الكثير من النساء والفتيات من صعوبة الإبلاغ عن حالات التحرش والعنف الجنسي بسبب عدة عوامل، تتضمن الندم والخوف من عدم تصديق الشكاوى، وكذلك القلق من التعرض للعقاب المجتمعي، مما يجعلهن مترددات في اتخاذ الخطوة الأولى. وعندما تتوجه الناجيات إلى منظمات نسوية وحقوقية، قد يشعرن بقلق أكبر بسبب وجود أفراد في هذه المنظمات لهم علاقات مع متهمين بالتحرش، مما يُعقّد الموقف أكثر.
تشغل منظمات المجتمع المدني دورًا محوريًا في العمل على قضايا حقوق النساء. ومع ذلك، قد تظهر علاقات القوى الداخلية المعقدة، التي تؤثر سلبًا على الهدف الأساسي لهذه المنظمات، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى حماية متهمين بالتحرش أو العنف.
حيث تعتمد معظم المنظمات الحقوقية على شبكة من العلاقات الشخصية المتعلقة بالأعضاء والناشطين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى انشغالهم بمسائل أكثر أهمية لهم دون إعطاء الأولوية لقضية العنف. وبالتالي، قد تجد الناجيات أنفسهن في بيئة غير داعمة، مما قد يزيد من شعورهن بالعزلة ويجعل من الصعب تلقّي الدعم.
كما يمكن أن تتبنى بعض المنظمات مواقف مبالغ فيها لحماية الأفراد من المساءلة، مما يعكس رغبة في الحفاظ على سمعتها أو كسب دعم أكبر داخل دوائرها، وهذا بدوره يؤدي إلى المزيد من الإحباط للناجيات. لذا، من الضروري تبني مبادئ واضحة ترتكز على الشفافية والمساءلة، وأن تمنح الأولوية لحقوق الناجيات لتعزيز مصداقيتها كمؤسسات يمكن الاعتماد عليها.
وتُعتبر العلاقات المتداخلة في منظمات المجتمع المدني أحد أبرز التحديات التي تواجه الناجيات. فمثلاً، إذا كان المتحرش يعمل في المنظمة أو على صلة بأحد العاملين بها، فإن ذلك يلقي بظلاله على ثقة الناجية بمدى دعم المنظمة لها. وبناءً على ذلك، قد تتردد النساء والفتيات في تقديم الشكاوى، خوفًا من التعرض للتجاهل أو حتى ردود الفعل العدائية.
وفي ظل ضعف المسارات المؤسسية، وافتقار الثقة في الآليات القانونية وسبل الدعم داخل المنظمات، تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة بديلة للبوح، والضغط، والمطالبة بالعدالة، حيث اتجهت العديد من النساء والفتيات إلى وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لإيصال أصواتهن. هذه الأشكال من الإبلاغ قد تكون فعالة، لكنها تحمل مخاطر كبيرة، مثل انتهاك الخصوصية وتعرّض الناجيات للانتقام.
والخوض في النشر عن المتجاوزين عبر منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى ردات فعل غير متوقعة، وقد تكون هذه الردود أكثر ضررًا من الفائدة. فقد تتعرض الناجيات للوصمة الاجتماعية أو الانتقادات، وقد تواجه النساء اللاتي اتخذن خطوة الإبلاغ عبر هذه الوسائل تحديات إضافية، منها محاولات التهجم أو التشكيك في مصداقيتهن وأخلاقهن.
و بالرغم من هذه التحديات، أثبتت وسائل الإعلام الاجتماعي أنها منصة فعّالة لتسليط الضوء على قضايا العنف والتحرش. فقد وفرت هذه الوسائل للناجيات سبلًا جديدة للإبلاغ والتأثير في المجتمعات، لكنها تحتاج إلى وعي دقيق بمخاطر الطرح العلني للقضايا الحساسة.
تلعب منظمات المجتمع المدني خاصة النسوية منها دورًا أساسيًا في تعزيز ثقافة الإبلاغ عن جرائم العنف، وهي تُعتبر حليفًا قويًا للناجيات. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات تحديات كبيرة تتمثل في ضعف ثقة النساء في نزاهتها وكفاءتها.
تشير تجارب النساء مع المنظمات إلى وجود تفاوت في التعاطي معها ومدى تحقق رضا وجبر الضرر للناجيات، مما يسهم في خلق انطباعات متباينة حول فاعلية هذه المنظمات. كما تعاني بعض المنظمات من نقص في شفافية الإجراءات، مما يزيد من الشكوك حول كيفية التعامل مع الشكاوى وعملية التحقيق.
بالرغم من ذلك، قامت منظمات المجتمع المدني بالعمل على تعزيز الوعي بقضايا العنف ضد النساء وأهمية الإبلاغ. وقد ساعدت استراتيجيات الاتصال المُحسنة في توفير قنوات سرية وآمنة للتبليغ، مما يعزز فرص الإبلاغ ويزيد من شعور الأمان لدى الناجيات.
لزيادة الثقة في منظمات المجتمع المدني، يمكن اتخاذ عدة خطوات، تتمثل في الالتزام بمبادئ الشفافية والتقارير ونشر مسارات التحقيق ونتائجها، كما أن توسيع نطاق الخدمات من الدعم الحقوقي والنفسي يمكن أن يجعل المنظمات أكثر جذبًا للنساء، وتأتي تعزيز الشراكات والتعاون بين المنظمات النسوية المحلية خطوة لبناء شبكة أمان وتعزيز الحركة النسوية والنسائية، كما يجب التوسع في تبني منهجية تستجيب لاحتياجات النساء من خلال الاستماع الجاد لمطالبهن.
تتطلب حماية النساء والعدالة الفعّالة اتخاذ إجراءات عاجلة ومركّزة. تحتاج الناجيات إلى بيئة آمنة للإدلاء بشهاداتهن دون خوف من التهديدات أو الضغوط. كما يجب على مؤسسات الدولة والمجتمع العمل معًا لتعزيز الوعي بضرورة التصدي للعنف ضد النساء، وإيجاد بدائل فعّالة لمرتكبي هذه الجرائم.
إن حق الوصول إلى العدالة والحماية هو حق أساسي لكل شخص. حينما تفشل الأنظمة القانونية في حماية النساء، يتزايد الخطر. لذلك، تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا في تعزيز ثقافة الإبلاغ عن العنف ضد النساء، من خلال تعزيز الثقة والاستجابة الفعّالة للناجيات، وبالتبعية يمكن تحسين وزيادة فعالية الجهود للتصدي للعنف وضمان حقوق النساء.