راندا أبو الدهب
ولدت في ديسمبر 1886، بمدينة القاهرة وهي ابنة الشاعر المصري حفني ناصف القاضي ( أحد المشاركين في تأسيس الجامعة المصرية) ، إرتبطت بالفيوم منذ زواجها فى عام 1907 من شيخ العرب عبد الستار بك الباسل رئيس قبيلة الرماح الليبية بالفيوم وشقيق حمد باشا الباسل عمدة قصر الباسل بمركز إطسا محافظة الفيوم، و أحد مؤسسي حزب الوفد ، عاشت فى قصر الباسل بالفيوم وهى إحدى ضواحى مركز إطسا، واتخذت إسم (باحثة البادية) إشتقاقاً من بادية الفيوم التي تأثرت بها، وكانت توقع مقالاتها في الصحف بهذا الاسم.
اعتبرت ملك ناصف أول امرأة مصرية جاهرت بدعوة عامة لتحرير المرأة، والمساواة بينها وبين الرجل، كما اعتبرت أول فتاة مصرية تحصل على الشهادة الإبتدائية العام 1900، وتلقت مبادئ العلوم في مدارس أولية مختلفة، والتحقت بالمدرسة السنية رغبة من والدها الذي أراد أن يخرج عن عادة الوجهاء في ذلك العصر. وبهذا شجع والد ملك زملاءه على الاقتداء به بإلحاق بناتهم إلى التعليم، وكانت سنة 1900، هي أول سنة تقدمت فيها الفتيات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة، ثم انتقلت إلى القسم العالي بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها فما كان من وزارة التعليم إلا أن عينتها معلمة ممتازة. وحصلت على شهادتها العالية ثم اشتغلت بالتعليم في مدارس البنات الأميرية، كما عرفت بثقافتها الواسعة و كتاباتها في العديد من الدوريات والمطبوعات وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئا من اللغات الأخرى، وكانت الباحثة تطوف منازل صاحباتها ومعارفها؛ لتقنعهم بإرسال بناتهن إلى المدارس
تفجّرت مواهب “ملك” الأدبية في أثناء دراستها، وجرى الشعر على لسانها وهي في سن مبكرة، فنشرت بعض آثارها الشعرية في جريدة “المؤيد” للشيخ “علي يوسف”، ثم دعاها الشاعر الكبير “مطران خليل مطران” إلى الكتابة في مجلة “الجوائب المصرية” التي كان يصدرها، فنشرت قصيدة وهي في السابعة عشرة من عمرها تأسى فيها لوضع الشرق وتتألم من حاله المتردي، وقد أثارت القصيدة إعجاب الشاعر، ورأى فيها نزوعا إلى الإصلاح والتجديد. وعندما أُعلن عن مشروع الجامعة المصرية كانت “ملك” الآنسة الوحيدة التي ألّفت لجنة لدعم المشروع الكبير، وجمعت قدرًا من المال حتى يتحقق أمل البلاد بظهور جامعة حديثة.
وفي سنة 1907م تزوجت بعبد الستار الباسل، وتركت التعليم بالمدارس واشتغلت بالتعليم العملي، في بيت زوجها،و لأن زواجها لم يكن موفقا ، أوقفها على مساوئ اجتماعية دفعت قلمها إلى محاربتها، وكان الزوج قد أخفى عليها خبر زواجه من ابنة عمه، واكتشفت أن زوجها كان عقيمًا لا ينجب فنسب ذلك إليها لا إلى نفسه، و رفضت الطلاق حتي لا يقال أن المتعلمات المشاركات في الحياة العامة يفشلن في حياتهم الخاصة، و أمنت بالتدرج في التغيير وليس الطفرة المباغتة للمجتمع ، فبدأت بما هو أقرب للاصلاح، ولا يتعارض مع التقاليد ، فحين اندلعت معركة الحجاب بين مثقفي مصر، كان رأيها أن الاولي التخلص من الحجاب المعنوي الملقي علي عقل المرأة، ثم يكون لها الحق في خلع الحجاب المادي، أو التمسك به قائلة “نطالبكم بتهذيب أرواحنا ، وتثقيف عقولنا، ولسن نطالبكم برفع نقابنا…فمن المرؤة أن تلبوا طلبنا وتتركوا ما عداه لنا، فسيأتي الوقت الذي نشعر فيه بحاجتنا الي السفور. اذا قمتم بواجبكم نحونا، و هو تعليمنا وتهذيبنا، كنا بعد ذلك أبصر منكم بما ينفعنا، وما يضرنا، كذلك نحن نعلم أن هذا الحجاب لن يدوم، ولكن ليس هذا أوان السفور، لاننا غير مستعدات له،…ونفوسكم لا تصلح الان باستقبال هذا السفور بالرضاء، فخذوا بأيدينا للعمل و التربية”.
أما عن الزواج، فقد رأت الشر في التقاليد المحيطة به، فطالبت بحق المرأة في رؤية العريس المتقدم لها، ومخالطته في وجود الاهل، حتي يعرف كل من الطرفين شريكه المقبل، وعن سن زواج الفتاة : ” على ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من الوفاق والمحبة، والواجب ألا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج، كفؤا لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة … وزواج مختلفي السن إضعاف للنسل، وشقاء للزوجين، وقلب لنظام الطبيعة الدقيق” ،
و حاربت تعدد الزوجات واعتبرته ” عدو النساء الألد، وشيطانهن الفرد، كم قد كسر قلبا، وشوش لبا، وهدم سرا،وجلب شرا. وكم من برئ ذهب ضحيته، وسجين كان أصل بليته، واخوة لولاه لما تنافروا، ولا تناثروا … انه لا سم فضيع ممتلئ وحشية وأنانية … “
ورأت في الطلاق للزواج بأخري أخف الضررين: “والطلاق علي مذهبي أسهل و أخف ألما من الضرة، فالاول شقاء وحرية، والثاني شقاء وتقييد، فاذا كان الشقاء واقعا علي أيه حال، فلماذا تلتزم المرأة الصبر علي الشدة…”
يرجع لمك الفضل في دعوتها الحازمة لتعليم المرأة، الذي رأت أنه يؤدي الي استقلال المرأة ” أن المرأة يجب أن تتعلم بما يمكنها أن تكون مستقلة عن الرجل نوعا، لاعالة عليه.” بل دعت ملك الي عمل المرأة، ولكن بنفس تحفظها المتدرج “لا أريد بقولي هذا أن أحث النساء علي ترك الاشغال بتدبيرالمنازل وتربية الاطفال الي الانصراف لاحتراف القضاء والمحاماة…ولكن اذا وجدت منا من تريد الاشتغالباحدي هذه المهن، فان الحرية الشخصية تقضي بألا يعارضها المعارضون.”
لملك حفني ناصف مقالات نشرتها في(الجريدة) ثم جمعتها في كتاب أسمته (النسائيات) يقع في جزءين، وقد طبع الجزء الأول منه وظل الثاني مخطوطا. ولها كتاب آخر بعنوان (حقوق النساء) حالت وفاتها دون إنجازه. معظم أعمالها تدور حول تربية البنات وتوجيه النساء ومشاكل الأسرة
ولجأت باحثة البادية إلى وسيلة أخرى تؤازر مقالتها وتدعم تأثيرها؛ فاتجهت إلى الخطابة وإلقاء المحاضرات العامة على السيدات في دار الجريدة وفي الجامعة المصرية، وفي الجمعيات النسائية، وكانت خطيبة ذات تأثير في نفوس سامعيها؛ حتى إن “أحمد زكي باشا” الملقب بـ “شيخ العروبة” كان يُثني عليها، ويقول بأنها أعادت العصر الذهبي الذي كانت فيه ذوات العصائب يناضلن أرباب العمائم في ميدان الكتابة والخطابة.
وفي عام 1911، عُقد في القاهرة المؤتمر المصري الأول لبحث الإصلاحات التي يجدر بالأمة والحكومة أن تنتهجاها، فتقدمت “باحثة البادية” بورقة ضمّنتها ما تراه واجبا للنهوض بالمرأة، وتلخّصت اقتراحات “باحثة البادية” في عشر نقاط، رأت أن المطالب التي قُدِّمت إلى المؤتمر قد خلت منها، فسارعت إلى تقديمها، وتتلخص في: تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح، وتعليم البنات التعليم الابتدائي والثانوي، وتعليم التدبير المنزلي والصحة وتربية الأطفال، وتخصيص عدد من البنات لتعلم الطب وفن التعليم حتى يقمن بكفاية النساء في مصر، واتباع الطريقة الشرعية في الخِطْبة، والالتزام بالحجاب.
كما أسست عددًا من الجمعيات للنهوض بالمرأة، فأسست جمعية “التمريض” على غرار “الصليب الأحمر”؛ لإرسال الأدوية والأغطية والأغذية والملابس إلى الجهات المنكوبة بمصر والبلاد الشقيقة، فأرسلت إلى المجاهدين في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي بعض ما يحتاجونه، وأنشأت مدرسة لتعليم السيدات التمريض، على حسابها، وجعلت منزلها في القاهرة مقرًا للجمعية، وأزمعت إنشاء مشغل للفتيات وملجأ للفقيرات، وقررت أن توقف له خمسة وثلاثين فدانا على هذا المشروع لكن موتها اغتال هذا المشروع النبيل.
أخيرا ، سارت ملك بتحفظ بين القديم والجديد، وأمنت بالتدرج في المطالبة باصلاح حال المرأة المصرية، حرصا منها علي الرأي العام الاجتماعي فيها، و هو ما أدي بها الي احتمال حياة اجتماعية بائسة، حتي لا يقال عنها طلقت المرأة المتعلمة، وهو ما ظهر جليا في موقفها من السفور والحجاب، الذي أثبتت ثورة 1919، أن ملك كانت متحفظة أكثر مما يتيح عصرها ، فقد انخرط كثير من النساء في العمل السياسي والاجتماعي، وخلعن حجابهن كرمز لانقضاء عزل النساء، وانقضاء عصر الحرملك، كما أن سمات هذا العصر، لم يكن يسمح لملك أن تتصور حق المرأة المطلق في العمل واقتسام المهمات المنزلية مع الزوج، واعتبرت أن الوظيفة الاساسية للمرأة هو البيت والاسرة، فيما العمل خارج المنزل من حق المراة ذات الفرص القليلة في الزواج وتأسيس الاسرة، لذلك فلا نجرؤ علي أن نطالب ملك في أوائل القرن الماضي بأن تري أبعد مما طرحت من أفكار.
كما واجهت ملك أشكالية أخري في طرح تلك الافكار، وهو خوفها من الاتهام الذي طال بعض مثقفي عصرها ، وهو الاتهام بالتقليد للغرب والتخلي عن الثقافة القومية، التي هي أحد أدوات مقاومة الاستعمار.
توفيت ملك باحثة البادية في 12 نوفمبر 1918 ، وهي في الثانية والثلاثين من عمرها، بعد أن عاجلتها الحمى الأسبانية . فمشى في مشهدها كثيرات من سيدات عصرها،وعلى أثر وفاتها اجتمعت طائفة من النساء لتأبينها في الجامعة المصرية برئاسة هدى شعراوي . واجتمعت طائفة من الأدباء لتأبينها يوم الأربعين في نفس القاعة التي حاضرت فيها.
1 Comment
ابحث عن ملك حفنىناصب