لم تعد ظاهرة التحرش، محل دهشة المصريين الذين كانت أبدانهم تقشعر من هول مشهد تلك الفتاة التي ينخلع قلبها قبل أن تتجرد من ملابسها وتُهان كرامتها على يد مجموعة من “الذئاب المجتمعة” التي ظهرت مؤخرا في الشارع المصري خاصة مع أي فعالية أو احتفالات، ولم تعد النخوة التي كانت سمة تميز “ولاد البلد”، قادرة على التصدي لتلك الكارثة التي تكررت لمرات عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة، دون أي تغير في المواد القانونية الرادعة لمن تسول له نفسه التجرؤ على فتيات لم يقترفن ذنبًا سوى الأنوثة.
تسير في طريقها المؤدي إلى منطقة القومية التابعة لمدينة الزقازيق، الأجواء تتوتر حول الفتاة التي فوجئت بعشرات الشباب يحيطون بها من كل جانب، الأيادي تمتد إلى تلك الفتاة التي ينتابها الرعب والأذى في لحظات، قبل أن تتدخل العناية الإلهية لتدفع بذلك الشهم الذي يدخلها المقهى الخاص به ويتصدى لعصبة الشر التي لا تؤمن بمبدأ “الرفق بالقوارير”.
“فتاة الزقازيق” كانت الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة لوقائع التحرش الجماعي خلال السنوات العشر الماضية، فربما لا تنسى مدينة الإسكندرية الفتيات الثلاث اللائي تاقت نفوسهن لمشاهدة فيلم داخل سينما محطة الرمل، فإذا بهن داخل كردون يقيمه بعض الشباب الذين بدأوا استعدادهم لـ”حفل تحرش جديد”، لولا أن مسؤولي مكافحة التحرش كانوا متواجدين بالمكان لينقذوا الفتيات الثلاث ويسيرون معهن إلى مقر إقامتهن، ليسجلوا نهاية محاولة أخرى للتحرش الجماعي خلال العام الماضي.
“كوبري عباس” كان شاهدا على واقعة تحرش أشد وطأة في سبتمبر عام 2015، غير أن خطأ الضحايا هذه المرة كان تجرأهن على قضاء نزهة نيلية في أحد المراكب! ليخرجن منه محاطين بأعداد غفيرة من الشباب الذين بدأوا ما اعتادوا عليه، قبل أن تبادر الفتيات بالدفاع عن أنفسهن والدخول في اشتباكات بالأيدي تسقط على إثرها إحداهن وتفقد وعيها من هول المشهد الأليم.
عام 2014، كان له نصيب الأسد من وقائع التحرش الجماعي، فلا تزال عدسات الكاميرات تذكر هؤلاء الشباب الذين لم يثنيهم حرم جامعة القاهرةعن إقامة إحدى حفلات التحرش الجماعي بطالبة في كلية الحقوق لأكثر من مرة، قبل أن تسجل سيدة أخرى أشهر وقائع التحرش الجماعي بميدان التحرير، في 8 يونيو من العام نفسه، بعد أن التف حولها العشرات وجردوها تماما من ملابسها أثناء احتفال الملايين بتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي زارها بالمستشفى وتعهد بالتصدي لمثل تلك الوقائع.
الأجواء السعيدة التي عاشها المصريون في أعقاب فوز منتخبهم بكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، لثلاث مرات متتالية سجلت أيضا شهادة ميلاد ظاهرة التحرش الجماعي مع تلك الواقعة التي تعرضت لها إحدى الفتيات، باستاد القاهرة الدولي، بعد تجريدها من ملابسها وإنقاذ قوات الأمن لها في فبراير عام 2006، ثم يتكرر ذلك مشهد التحرش الجماعي، بحذافيره، للحد الذي يدفع صناع السينما للإشارة إليها في فيلم “678” وربطها باحتفالات المصريين بالإنجازات الكروية.
“العيد”، فطره وأضحاه، بات مناسبة خصبة لمرتكبي التحرش الجماعي منذ أول واقعة لهم في منطقة وسط البلد عام 2006، حينما تحرش عشرات الشباب بفتاة كادت تتجرد من معظم ملابسها لولا تدخل قوات الأمن لإنقاذها، لتتكرر تلك الظاهرة في كل مواسم الأعياد التي ترصد فيها مؤسسة “شفت تحرش” عشرات الحالات لفتيات تعاني من وقاع “التحرش الجماعي” دونما حل حقيقي يضمن لهن الأمان.