أصدر إيريك زيمور، الصحافي الفرنسي المعروف بكتابه عن الرئيس جاك شيراك تحت عنوان “الرجل الذي لم يحب نفسه”، كتابا جديدا بعنوان “الجنس الأول” وهو تحريف لعنوان كتاب سيمون دي بوفوار “الجنس الثاني”، ويتضمن الكتاب نقدا لاذعا للإيديولوجية النسويّة السائدة في الغرب.ومعلوم أن كتاب “الجنس الثاني” لـ”سيمون دي بوفوار” شكّل الأساس الفلسفي،الناتج عن التيار الوجودي حسبما وضعه رفيقها، الفيلسوف والكاتب جان بول سارتر للحركات التي تدعو إلى تحرير المرأة في الغرب منذ الستينيات.
يقول المؤلف إن “الخطاب الذي يدمج بين قِيَمه الخاصة وقيم البشرية جمعاء هو خطاب كلّ القوى المهيمنة، منذ الإمبراطورية الرومانية وصولاً إلىمفهوم الأمريكي للعيش”.وهكذا تحوّلت، وفقاً لزيمور، القيم النسائية إلى قيم عالمية: هكذا تحوّل الحوار، النعومة، السلام، التروّي، التسامح إلى أهداف بحدّ ذاتها، وبالتالي “لم تعد “المرأة جنس، بل مثال” كما يكتب الزميل رودولف ضاهر في قراءته للكتاب في “السفير ،اللبنانية.يميّز زيمور بين ديناميّتين أساسيّتين للحركات النسويّة في الغرب ويختصرها على الشكل التالي: لقد حاولت المرأة في النصف الثاني من القرن الفائت ان تتحوّل إلى رجل، عندما فشلت في ذلك فرضت على الرجل أن يتحوّل إلى مرأة.
تحول المرأة إلى رجل ..في مرحلة أولى، اكتسبت المرأة حقّ الانتخاب، الطلاق الإجهاض، وسائل منع الحمل، التحرّر الجنسي… لكن كلّ هذه الإنجازات الاجتماعية أدّت إلى إحباط ما يُسمّى “جيل 86″، الذي يصفه بعمق نادر الروائي ميشال ويلباك: أمهات وحيدات لأولاد من دون أباء، تحاولن نيل بعض الملذّات الجسديّة في النوادي المتسامحة، أو بعد أن تحوّلن إلى سحاقيات تعيسات لم تعد تروق لهنّ الحياة.لقد حاولت
المرأة طويلاً أن تكتسب ما اعتقدته تقدّماً في وضعها العام، من مركز اجتماعي ومهني وسياسي، لتفرض احترامها وتقديرها من خلال إنتاجيتها وملاءتها الماديّة، إلى حدّ أنها فرضت نظام الأمومة كبديل على نظام الأبوّة، ممّا أدّى من جهة إلى نقاشات حادّة حول مَنْ، بين الرجل والمرأة، يجب ان يقوم بالأعمال المنزليّة.
ومِن جهة أخرى إلى مشكلة جوهرية في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، جراء تحوّل هذه الأخيرة إلى رجل، حتى في مظهرها الخارجي، وعدم اهتمامها بجمالها الذي أدّى إلى تلاشي رغبة الرجل لها.دخلت المرأة السياسة عندما لم يعد للسياسيين أي سلطة، دخلت عالم الإنتاج عندما أصبح كل عامل موظف، نالت حريتها الجنسية عندما واجه الغرب أزمة رغبة شاملة.إن جوهر رغبة الرجل للمرأة يكمن، بحسب باسكال كينيار الذي يذكّر به مؤلف الكتاب زيمور، في الجذب الذي تشكّله رؤية العضو الذكوري عند المرأة.
بعبارة أخرى، رغبة الرجل للمرأة تنشأ عندما يطمئن الرجل، من خلال إغرائه للمرأة لقدراته الجنسيّة، ففقدانها هو هاجس دائم عنده وقد حاول منذ بدء التاريخ، أيّ منذ حوالى خمسة آلاف سنة، أن يعوِّض عن احتمال فقدان القدرة الجنسيّة من خلال اكتساب القوّة السياسيّة.بعبارةٍ أخرى، أن مجمل ما قام به الرجل، والذي نسمّيه الحضارة والتاريخ (العلم، السياسة، الدين، الفنّ، الحرب…) هو أوّلاً إثبات للمرأة أنه يستحقّها.
والمرأة التي لم تتلوّث بالنسويّة الغربية هي التي تدرك أنما جمالها وإيحاؤها هو بحدّ ذاته عَوَض كامل لما يقدّمه لها الرجل من خلال كلّ ما صنعه، والذي يحوّل انتظارها إلى خضوع. مع تحوّل المرأة الى رجل،دُمِّرت هذه العلاقة الجوهرية بين السياسة والتاريخ والجنس، أيّ التمييزالأساسي بين الرجل والمرأة، أيّ مجمل الإرث اليهودي المسيحي الذي صنع الحضارة الغربية.
امّا المرحلة الثانية، أي مرحلة تحويل الرجل إلى امرأة التي يشهدها الغرب اليوم، فقد بدأت مع هزيمة المرأة في تحوّلها إلى رجل، أيّ مع اعترافها مجدّداً بحاجتها الى الرجل كعنصر الضمان الأساسي في حياتها.لكن المرأة اليوم ترفض الرجل الذكوري، الفاجر: المرأة اليوم تريد من جديد رجلاً يشاركها حياتها بالتزام ووفاء كاملين.الحبّ هو أوّلاً ابن المرأة، الحبّ بحسب الميثولوجيا اليونانية الرومانية ليس إلا طفل صغير ابن فينوس (Venus)إله الأنوثة
، . كما كان يدرك ذلك شوبنهاور (Schopenhauer)، كاتب “بحث حول المرأة”.
إن النتيجة لكون الإنسان من فصيلة الضرعيات، يضع الأنثى في موقع الضعف خاصةً عندما تكون حامل، فهي بالتالي بحاجة إلى حراسة الذكر لها ولصغيرها، ولتأمين حاجياتهما من خلاله، وبالتالي المرأة أقلّ ميولاً إلى الخيانة لأنها لا تنجب إلاّ طفلاً واحداً في السنة، أمّا الرجل، الذي يمكن نظريّاً ان ينجب مئات الأولاد في الفترة نفسها، يكون بطبيعته متعدّد الزوجات، إذ أن دوره في الإنجاب آني. لذا، اخترعت المرأة الحبّ كوسيلة لإبقاء الرجل إلى جانبها.
فالزواج هو ابن الحبّ، الذي هو ابن المرأة: الرابطة الزوجية ليست إلاّ إرغام الرجل بالقيام بموجباته تجاه المرأة وأولادها، بشكل أن يستحيل عليه الانتقال إلى شريكة أخرى.ويضيف مؤلف هذا الكتاب أن “حركة تأنيث المجتمع الغربي تتمثّل بنظر زيمور بالفارق بين مضمون كتابات ليون تروتسكي (كاتب روسي تم اغتياله لاحقا على يد عميل سوفييتي بعد صراعه مع ستالين و طرده من الحزب الشيوعي) ونصوص أوليفيه بوزانسنو، بين الدموع كحكرٍ على المرأة ودموع رجال السياسة.
العلنية اليوم، بين أسرار العائلة الأبويّة التي تنتقل من الأب إلى الابن وإفشاء هذه الأسرار للأم، بين فصل نسوة رجل واحد إلى زوجة وعشيقة وعاهرة وجمعها في امرأة واحدة.بعد أن عادت المرأة، في محاولة لجذب الرجل مجدّداً إليها (بعد فتور جنسي طويل أدّى إلى الهجرة الكثيفة نحو أوروبا من بلاد الاستعمار السابقة والمشكلة الحضارية الدينية الكبرى التي سببتها)، إلى استرجاع أنوثتها وتقويم جمالها، بدأ الرجل الغربي يهتمّ بمظهره، يشترى الأدوات التجميلية و يتعمد إزالة الشعر، وفق الترويج الرأسمالي الذي، بعد تلاشي مفعولإعلانات بينيتون الداعية إلى التعدّدية العرقيّة، تبنّى قضية تأنيث العالم، إلى تمليسه بكلّ ما للكلمة من معانٍ