آية حمدي – محامية وباحثة قانونية
شهدنا خلال شهر يناير الماضي عدد من منشورات الاستغاثة لضحايا وقائع عنف من النساء أو ذويهن، تباينت هذه الاستغاثات ما بين ابتزاز إلكتروني أو تشهير أو ملاحقات وتهديدات. من الجدير بالذكر، أن هذه الاستغاثات بدت كخطوة أخيرة لجأت إليها الضحايا، وذلك بعد اللجوء إلى مرفق الشرطة وتقديم عدد من البلاغات وتحرير محاضر، وذلك دون تحرك من الجهات المعنية، بل وغالبًا ما تُحفظ المحاضر. بيد أنه بمجرد اللجوء إلى نشر الاستغاثات وتداولها على منصات التواصل الاجتماعي إعلاميًا فإنه يتم اتخاذ إجراءات جادة من قبل مرفق العدالة، والمجالس القومية المعنية، والتحرك بشكل عاجل تجاهها.
بالرغم من لجوء طيف من الضحايا إلى المسلك القانوني وما يعكسه -ربما- من أمل في منظومة العدالة الجنائية للسعي نحو غطاء الحماية التشريعية، إلا أن هذه الاستغاثات المنشورة توضح أيضًا إدراكهن لأزمة التباطؤ والتغافل عن قضايا العنف ضد النساء والتعامل معها كقضايا فرعية غير عاجلة لا تستدعي اتخاذ إجراءات سريعة وتدابير جادة لحماية الضحايا وذويهن. مما يدفعهن إلى آلية النشر والحملات المصغرة على منصات التواصل الاجتماعي، كأداة بديلة للضغط على مؤسسات العدالة من أجل التحرك العاجل، وهو ما يعيدنا إلى تطبيق مفهوم العدالة في قضايا العنف ضد النساء في مصر ومدى مسئولية المؤسسات المعنية في بذل العناية المطلوبة للتعاطي مع هذه الوقائع.
في المقابل، نرصد النمط السائد في قضايا العنف بحفظ القضايا والبلاغات، وإلقاء عبء الإثبات على الضحايا وهو ما يتبعه عادةً قرار حفظ نتاج تحمل مسئولية الطرف الأضعف إثبات واقعة العنف التي يحرر محضرًا بها، ودون مراعاة لتبعات ذلك من المساس بالسلامة الجسدية والنفسية للضحايا، وتهديد أرواحهن في أحيان أخرى كما شهدنا خلال السنوات الماضية. وبالتالي، يدفع ذلك الضحايا وأسرهن إلى منصات التواصل الاجتماعي كنافذة للضغط من أجل الإسراع من استجابة الجهات المعنية من المؤسسات ذاتها المتباطئة في إجراءاتها.
مما يطرح أهمية التساؤل حول آلية القانون ومدى كفايتها وكفاءتها، والتفكير حول النوافذ والمسارات البديلة بجانب الإجراءات القانونية المنصوص عليها. كذلك، التساؤل حول مستقبل التعاطي مع القضايا التي قد تُنشر على المنصات الاجتماعية ولا تلقى رواجًا، وهل سيتم النظر فيها بصورة عاجلة؟
تتمحور آليات إنفاذ العدالة في قضايا العنف ضد النساء في مصر بدءًا من نص دستور 2014 في مادة الحادية عشر حول التزام الدولة بحماية المرأة ضد كافة أشكال العنف، مرورًا بالقوانين وسلسلة التعديلات الأخيرة في قانون العقوبات التي اشتملت على تدخلات مختلفة ما بين تغليظ العقوبات وتوسيع نطاق حماية الضحايا والمبلغين، كذلك الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء، وتتحمل أجهزة الدولة المعنية بإنفاذ القانون وتطبيقه. تدور الاستراتيجية حول 4 محاور رئيسية وهي محور الوقاية، محور الحماية، محور التدخلات، ومحور الملاحقة القانونية، بينما تفتقر هذه المحاور فعاليتها ووجود آليات تضمن تفعيلها والالتزام بها، ويبرهن ذلك الأحداث التي نشاهدها مؤخرًا وخلال السنوات الماضية.
وفي ضوء السياق الحالي من توافر غطاء تشريعي للحماية لكنه يفتقر الإلزام والتفعيل، من الضروري أخذ النقاط التالية في الاعتبار من قبل منظومة العدالة الجنائية والمجالس القومية المعنية:
ضرورة المراجعة وإعادة النظر في قضايا العنف ضد النساء التي تم حفظها، خاصة المرتبطة بغياب توافر أدلة الإثبات. كذلك، النظر في بلاغات التعرض ومحاضر عدم التعرض التي تقدمها الضحايا، واتخاذ ما يلزم من حمايتهن.
مراعاة تعدد البلاغات والمحاضر من الضحية الواحد للمتهم بذاته، وتجميع كافة هذه الشكاوى وتكليف ممثل عن النيابة العامة بتولي هذه البلاغات كافة، بينما تكون الشرطة مكلفة ومنوطة بعمل التحريات اللازمة للاستعلام عن الوقائع وأخذ التدابير الاحترازية والوقائية اللازمة في حال كانت حياة الضحية في خطر.
الالتزام بالضوابط القانونية في ضبط المتهم والتحفظ عليه، وإعمالًا كذلك بقواعد الوقاية والحماية التي نص عليها القانون والاستراتيجية.
أهمية التفاعل والاستجابة السريعة من المجالس القومية المعنية تجاه الشكاوى المقدمة، واتخاذ الإجراءات اللازمة بالإحالة إلى النيابة العامة واتخاذ التدابير الوقائية والحمائية اللازمة وذلك تنفيذًا لمبادئ العدالة الناجزة.
ختامًا، لا تقتصر منظومة الحماية القانونية للنساء من العنف على سن التشريعات والتعديلات بتشديد العقوبات، بل تمتد لتشمل إدارة سياسية حقيقية تتبنى ضرورة مناهضة وقائع العنف ضد النساء والتي تتوسع وتأخذ منحنيات أكثر خطورة وانتقامية، وتتخذ آليات وتدابير من شأنها حماية النساء والتأكيد على ضرورة التمسك بمنافذ العدالة والقانون من أجل الحماية والوقاية من وقائع العنف الذي يستهدف النساء.