البدايات- بقلم كريمة كمال
نوفمبر 27, 2010الأنترنت والعنقاء والمجتمع المدني – بقلم آمال عبد الهادي
نوفمبر 27, 2010
عزة كامل احد عضوات المرأة الجديدة
في النصف الثاني من عام 1998 انشغلت الصحافة المصرية بالدعوة التي نادت بها الحركة النسائية المصرية بحق المرأة المصرية أن تعين في الوظائف القضائية, وقد غلب على معظم المقالات والتحقيقات التي تناولت هذا الموضوع انذاك الاتجاه السلبي والسخرية الشديدة, وتنافس رساموا الكاركتير وصوروا عمل المرأة كقاضية على أنه ضربة قاضية للجانبين القضاه والأسرة لأنهم رأوا ان عملها كقاضية سوف يطغى على كونها أم وزوجة, فبلغت السخرية اقصاها في هذه الرسومات, فهناك رسم صور المرأة تجلس على المنصة وبجوارها موقد من الكيروسين يعلوه إناء يتصاعد منه البخار, ورسم أخر لامرأة في المنزل تجلس على الكرسي وبيدها مطرقة وزوجها راكع تحت قدميها تقول له (ماغسلتش المواعين النهارده ليه), ورسم أخر يمثل سيدة تجلس على منصة القضاء وبيدها أحدى أدوات المطبخ تستخدمها بدل من المطرقة, وقاضية أخرى تجلس على المنصة وتقول لامرأة تقف أمامها (لما شفتي الحرامي من شباك مطبخك كنت بتطبخي ايه) إلى أخر هذه التعليقات التهكمية وكذلك التحقيقات التي أحتوت على بعض العناوين من ضمنها (عفواً القاضي حامل), (الفاضية تعمل قاضية), ولا يمكن أعتبار هذه الرسومات مجرد دعابة, فالكاركتير يمثل عقل نخبوي واع مدرك لما ينتج, أي أنه بمعنى أو أخر يقصد ما يعبر عنه وبالتالي هو في مستوى من مستويات التلقي يعبر عن موقف مجتمعي واضح تجاه هذه القضية التي تمثل فيها المرأة محورها الرئيسي, وفي معظم أعمال الرسامين تقترن المبالغة الشديدة في السخرية من المرأة فهي الهدف الأسهل لهذه السخرية وهي تشكل خيالاً خصباً لهم عن الكاركتير السياسي الذي لا يجيده إلا القليل من الرسامين, ويكون حاصل جمع مارسمه الرسامون عن المرأة في هذا الشأن يساوي ببساطة امرأة يجب ان تقف في الخلفية, لاتحاول أن تتقدم إلى الصفوف الأمامية, والمصيبة الكبرى أن صياغة المرأة على هذه الشاكلة رسخ في العقل الجمعي الاجتماعي هذه الصورة التي يتم إعادة انتاجها بشكل دائم ومستمر, ألم ترتفع الأصوات في بدايات التسعينات بعودة المرأة إلى المنزل على أن تمنح نصف راتبها من أجل حمايتها من الأمتهان الذي يلحق بها في الشارع, في المواصلات, في العمل, وتم تحميلها وحدها عبء تربية النشئ ولقد كان لهذه الدعوة دلالتها العميقة في رفع مسئولية تربية النشئ عن الرجل والدولة والمجتمع, دعوة تختزل المرأة الإنسان في “الأنثى” التي تحيض وتلد, وتختزل الوجود الإنساني في إطار الكائن البيولوجي وهذا ما أكد عليه نائب رئيس مجلس الدولة في تصريحه لجريدة الاهرام في عدد الجمعة 19 فبراير 2010 بأن رفض تعين المرأة حالياً ليس بسبب نزاعات سلفية بدليل أن أكثر الذين صوتوا ضد تعين الدفعة من الأناث كقاضية كانوا من القضاه المسيحين بالمجلس ولكن بسبب تكدس القضايا وكثرة عددها حتى أضطر المجلس لإلغاء الأجازات الصيفية للقضاه ومن ثم فلا يمكن في هذه الظروف تعين المراة كقاضية ولها حقوق تتمثل في أحقيتها في أخذ أجازة لمدة تصل ل 6 سنوات وأخرى لرعاية الطفل وأخرى لمرافقة الزوج لمدة تزيد عن 10 سنوات فضلاً عن أجازات الرضاعة والوضع والسماح بمرافقة الزوج مما يعمل على تعظيم تكريس مشكلة عدم أتمام العدالة الناجزة ويصبح تعين المرأة عملية مظهرية دعائية وليست اصلاحاً حقيقياً يستهدف تمكين المرأة وحماية حقوقها, ويؤكد سيادة المستشار في نهاية تصريحه (أن التصويت كان خاصاً بالملائمة وليس مبدأ شرعية تعيين المرأة قاضية).
أليس هذا الخطاب تزيف للوعي, أليس هذا الغاء لوجود المرأة الاجتماعي, الغاء مع سبق الأصرار والترصد, أليس هذا معناه أن القضاه يضعون أنفسهم خارج التاريخ ولا يعطون لعنصر التطور بال, ويغضون البصر عن تغير الأحوال نتيجة لتبدل الأزمان, ألم يسمع القضاه, ألم يروا أن المرأة تسيطر على وضعها البيولوجي من زمن بعيد, وأن أبواب المعرفة والتمدن والعلم تفتحت امامها, وأن المرأة قادت ثورة اجتماعية هائلة من أجل تحررها والاعتراف بها على قدم المساواة مع الرجل وأنها غيرت من ديموغرافية العالم ومفاهيمه النمطية التقليدية وقلبت توازنه الزائف, وأن المرأة سواء اعترفوا بذلك أم لا, تتخذ القرارات وتتحمل المسئولية في مختلف المجالات دون أن ينفي ذلك ابداً أنها امرأة كاملة واماً مسئولة وشريكة وزوجة محبوبة وصديقة وأخت ودودة.
أن القرار يؤكد على الفصل التعسفي بين الفضاء الخاص للمرأة والفضاء العام وهو الفصل الذي يحمل في ثناياه كل أشكال السلطة الأبوية بمنظومتها الذكورية محكمة الأبعاد, لماذا كل هذا الخوف من أن تصبح المرأة قاضية ؟! ….. وخاصة أن هناك قرار من المجلس الأعلى للهيئات القضائية صدر عام 2002 بفتح الباب لتعين المرأة في القضاء وهو قرار ملزم لكل الهيئات القضائية, وقد تم تعين أول قاضية مصرية في المحكمة الدستورية عام 2003 بقرار من رئيس الجمهورية, فلماذا يعاد طرح هذا الموضوع مرة أخرى والتصويت عليه بعد أن تم تحقيق بعض المكاسب فيه؟.
أن الرجل أحتكر تاريخياً ساحة القضاء ولم تشاركه المرأة هذا الأمتياز, فكيف له أن يتنازل بكل ارادته عن هذا الأمتياز الذكوري الخالص, ألن يؤدي ذلك إلى خلخلة سلطته الذكورية؟! …… لقد بات واضحاً الآن أن القضاه يواجهون خطرين, خطر فقدهم استقلال القضاء وخطر أن تصبح النساء قاضيات في مجلس الدولة, كما هو الشأن لدى كل خائف على ذاته أمام ما يتصور أنه تهديد لوجوده وسلطته ونفوذه, ويتم التعامل مع الخطر الثاني بمنطق “الأقصاء” وبلورة خطاب يصبح فيه حضور المراة مرتهن بالفقد والإلغاء, مما يعني انه لا يوجد تغاير أو أختلافاً بين خطاب القضاه الآن والخطاب السلفي تجاه المرأة من حيث المنطلقات الفكرية والآليات, ويتجلى و التطابق في اعتماد الخطابين على أنماط رئيسية تتبنى عدم المساواة وتسجن المرأة في سجن البيولوجيا والتعامل معها على أنها قاصر تستوجب الوصاية الرشيدة منهم.
وقد نسى القضاه الذين هم عقل وقلب الأمة وحملة مشاعل وحراس ضمير أن النساء هن أول من ساندهم في قضيتهم العادلة “استقلال القضاء” الذي يمثل دعامة من دعامات الديمقراطية العادله, لكن هل يمكن أن تصمد هذه الدعامات بدون أساس متين لها وهو المساواة ومبدأ المواطنه الذي نصت عليهما مواد الدستور المصري الذي يحكم بموجبه القضاه, ألا يعتبر ذلك تناقض وازدواجية في مواقفهم, فهم يطالبون باستقلال السلطة القضائية استناداً للدستور المصري وفي نفس الوقت يصدرون قراراً يتعارض مع المبدأ الدستوري الخاص بالمساواة, ويسوق القضاه الحجج لتدعيم موقفهم ومن ضمنها أن أحكام القضاء استقرت على رفض تعيين المرأة في المناصب القضائية دون الوظائف العامة الأخرى, إلا بعد تأدية النساء الخدمة العسكرية ودفعهن ضريبة الدم حينئذ يتساوين مع الرجال, ونحن نسأل القضاه هل يستطيع الرجال دفع ضريبة الدم التي تقومن بها النساء من عملية الحمل والولادة وأنتاج البشر وتحمل المسئوليات وعبء الأسرة أثناء وجودهم في الخدمة العسكرية وبعد خروجهم منها؟ , أليس هذا شرط تعجيزي وضعه الرجال انفسهم لإحكام سيطرتهم على الوظائف القضائية ؟! ….. أما الحجه الأخرى التي يتفق معظم القضاه عليها هي (أن العمل القضائي في مصر شاق ويتطلب من القضاه التفرغ التام ودراسة القضايا المعروضه عليهم في منازلهم والتنقل من محافظه لأخرى ولا يمكن تصور سفر سيدات للعمل في محاكم الصعيد ووجه بحري واقامتهن في ذات الأستراحة المخصصة للقضاه في ظل الأمكانيات المحدودة وضعف التجهيزات وهو الأمر الذي ينطبق ايضاً على القضاء العادي والنيابة العامة).
ألم يكن يقال ذلك على الطبيبات والمهندسات في بداية تعينهن, وهل تم أخذ رأي المئات من النساء اللواتي تقدمن بطلب تعينهن قاضيات, ألم يكن يعلمن بهذه المشقة, ألم يعلمن بضعف الإمكانيات, وهل يعلم القضاه أن هناك قاضيات في معظم البلدان العربية منذ أكثر من 40 عاماً وقد أثبتن جدارتهن أمام كل هذه الصعاب وتحدين حجج وشروط تعجيزية مماثلة.
أن الأصلاح الديمقراطي في مصر واستقلال السلطة القضائية لن يتأتى وهناك إقصاء للنساء من بعض الوظائف العامة وعلى رأسها الوظائف القضائية, لأن النساء شريك أساسي في إعمال هذا الأصلاح وفي دعم استقلال القضاء الذي يساند الحقوق الدستورية والعامة ويدفع بحركة التنوير إلى الأمام.