النظام السابق لم يمت بعد، فالداخلية لا تزال تتحرك بنفس منهجها الشرس القديم، الذى لا يعرف الحريات العامة، ولا يعترف بكرامة الناس. صباح أمس هبطت قوات الأمن المركزى على ميدان التحرير، فى مشهد يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث فى عصر «جستابوس» العادلى، واستخدمت القوة المفرطة فى فض المعتصمين، واعتدت حتى على مصابى الثورة، فرد الموجودون بإلقاء الحجارة. ووسط كل ذلك، قامت مباحث القاهرة بالقبض على خمسة أشخاص، بالتهمة «الشنعاء»، وهى إلقاء الحجارة، وأصيب مصور جريدة «التحرير» الزميل عمر زهيرى، بجرح قطعى فى رأسه.
الاشتباكات كانت تهدأ وتتجدد على مراحل، بين المتظاهرين وقوات الأمن، وآخر مشهد قبل تمركز القوات واحتلالها الشوارع الثلاثة الرئيسية المؤدية إلى الميدان، لمنع توافد الأشخاص إليه، وهى قصر العينى، والشيخ ريحان، ومحمد محمود، كان محاولة الجنود العودة إلى الميدان، من الشارع الأخير، عقب محاولة المتظاهرين إحراق إحدى عربات الترحيلات، وتبادل الطرفين التراشق بالحجارة، ولكن لأن قوات الأمن لم تتخل عن تاريخها الأسود أمطرتهم بقنابل الغاز المسيل للدموع.
ووسط معركة سحل وضرب مصابى الثورة، وبين ركام وآثار خيام المعتصمين الممزقة، وقف أحد مصابى الثورة باكيا فى قلب الميدان، بينما كان يرفع «الوسام»، الذى ناله من الحكومة، تكريما على دوره فى ثورة 25 يناير. الرجل، رفض الإفصاح عن هويته أو اسمه، كما كان يرفض أن يساعده أحد، للهروب بعيدا عن المعركة، قبل أن يقرر التجول فى أرجاء الميدان مرتديا كفنا أبيض، مدونا عليه كلمة واحدة هى «القصاص».
المتظاهر الباكى، اعتبر نفسه، واحدا من ضمن آلاف يبحثون عن مستشفى يعالجهم من إصاباتهم، بينما تكتفى الدولة بدور المتفرج، من دون أن تقدم له أو لغيره أى مساعدة حقيقية، ومن ثم تركتهم فى الشارع، مكتفية بمنحهم وساما، أو «حتة حديدة» على حد قول أحد مصابى الثورة، ممن تم الاعتداء عليهم فى الميدان أمس، يدعى محمد على.
بمرارة قال محمد على لـ«التحرير»، إن «مبارك والعادلى، أصابانا بطلقات وكسور، وقتلا من قتلا، وفى النهاية يجلسان فى منتجعات ومستشفيات ويجريان عمليات على أعلى مستوى»، مضيفا بحسرة «أما نحن مصابى الثورة، فلا نجد مصاريف العلاج، ونعامل أسوأ معاملة بين كل المصريين».
وفى معركة ضرب متظاهرى التحرير أمس، سطّر مصابو الثورة، وكعادتهم مشاهد جديدة من الشجاعة، ستظل خالدة فى الذاكرة المصرية، أحدهم لم يجد إلا «عكازه» ليمسكه ويرفعه، فى وجه الهجمة الشرسة، التى قامت بها قوات الأمن، لكنه حين انقض عليه العشرات من الجنود، وبدؤوا فى ضربه بالهراوات والعصى، قرر أن لا يغادر أرض الميدان، وتشبث بها فى صورة كاربونية، مما حدث معه فى جمعة الغضب فى 28 يناير الماضى، بينما كان جنود «المركزى» يصرخون فيه ويسبونه قائلين «علشان تتعلموا تعملوا ثورة تانى يا ولاد الـ….». العنف المفرط الذى تعرض له ذلك المتظاهر، لم يمنعه من العودة، بعد ساعات قليلة رافعا يده وعكازه، معلنا انتصاره، وعودته إلى الاعتصام، وإلى الصينية، بعد ان انسحبت قوات الأمن من الميدان.
مصدر أمنى فى وزارة الداخلية، استخدم نفس الكلمات الرسمية فى وصف ما جرى. قال إن القوات التزمت أقصى درجات ضبط النفس، إزاء محاولات بعض المعتصمين الاعتداء عليها، بإلقاء الحجارة والقطع الخشبية، والزجاجات الفارغة، مما أسفر عن إصابة سبعة من رجال الشرطة، تم نقلهم إلى المستشفى للعلاج.
يذكر أن الشرطة العسكرية ألقت صباح أمس القبض على الناشط السياسى أحمد دومة و6 آخرين، من بينهم محرر صحفى، لم يتسنّ معرفة الصحيفة التى ينتمى إليها.