«تعبتني يا فضيلة الإمام»، هكذا اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي حديثه قبل أسبوعين حول مسألة الطلاق الشفهي لشيخ الأزهر أحمد الطيب، والذي بدا وقتها وكأنه مزحة بين رئيس الجمهورية والإمام الأكبر، إلا أن بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الصادر أمس الأحد، ربما ينذر بأن كلمات السيسي كانت أكبر من مجرد مزحة.
جاءت مزحة الرئيس عقب اقتراح قدمه خلال كلمته بمناسبة عيد الشرطة في 255 يناير الماضي، بإصدار قانون يمنع الطلاق الشفهي، قائلًا: «يعني ما نطلعش قانون يقول لا يتم الطلاق إلا أمام المأذون عشان يدي فرصة للناس إنها تراجع نفسها؟ وما يبقاش بكلمة يقولها [الزوج] كده؟ ولا إيه يا فضيلة الإمام؟ تعبتني يا فضيلة الإمام».
لم يقتصر بيان هيئة كبار العلماء على تأكيد وجوب وقوع الطلاق الشفهي، لكنه فند اقتراح السيسي بشكل تفصلي، في تحدٍ واضح وصريح لمقترح الرئيس، فبجانب تأكيد هيئة العلماء على وقوع الطلاق الشفوي المستوفي الشروط الشرعية «دون اشتراط إشهاد أو توثيق»، فإن هيئة العلماء ألقت مسؤولية التوثيق على الدولة بشكل مباشر: «على المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة».
وأكد العلماء أن ارتفاع معدلات الطلاق «لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق»، خاصة وأن إحصاءات الطلاق المعلنة، والتي أشار لها السيسي في حديثه، هي حالات طلاق موثقة ومثبتة بالفعل، ووضعوا الدولة أمام مسئوليتها في «العلاج الصحيح لهذه الظاهرة» عن طريق «رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكلِّ أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة، والفن الهادف، والثقافة الرشيدة، والتعليم الجادّ، والدعوة الدينية الجادَّة المبنيَّة على تدريب الدُّعاة وتوعيتهم بفقه الأسرة وعِظَمِ شأنها في الإسلام؛ وذلك لتوجيه الناس نحوَ احترامِ ميثاق الزوجية الغليظ ورعاية الأبناء، وتثقيف المُقبِلين على الزواج».
في مقابل رد مؤسسة الأزهر القاطع والرافض لمقترح السيسي، أبدت وزارة الأوقاف ودار الإفتاء استجابة سريعة، حيث بادرت كل من المؤسستين للعمل من أجل الحد من انتشار الطلاق بين المتزوجين حديثًا من خلال عقد دورات تدريبية لتأهيل المقبلين على الزواج مباشرة بعد حديث السيسي، حيث أعلنت دار الإفتاء عن أولى هذه الدورات التدريبية في الفترة من 12 فبراير حتى 211 مارس. وتهدف الدورة إلى «تدريب وتأهيل وإرشاد عدد من المقبلين على الزواج على مهارات الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التي يواجهها الزوجان». وأعلنت وزارة الأوقاف عن دورة مشابهة يعقدها وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، بالتعاون مع وزارة الصحة في محافظة الجيزة، تليها دورة أخرى في محافظة القاهرة.
وانعكست هذه الاستجابة السريعة أيضًا في تصريحات مفتي الجمهورية، شوقي علام، في حوار له مع برنامج ماسبيرو، المذاع على التليفزيون الرسمي للدولة، أكد فيه أن «تخوف الرئيس السيسي بشأن قضية الطلاق الشفهي في محله». وحينما سُأل عن مدى وجوبية وقوع الطلاق الشفهي، قال علام: «الطلاق الشفهي يقع وِفْقَ القانون المصري، والقانون يُلزم أيضًا من يقع الطلاق منه أن يوثقه، والسائل عندما يأتي لدار الإفتاء ونرى أن الطلاق قد وقع منه ننصحه بالذهاب للمأذون وتوثيق الطلاق خلال 30 يومًا». وأضاف علام أنه يوجد ما هو أهم من الحديث حول وجوب وقوع الطلاق الشفهي من عدمه، «يجب أن نعالج أنفسنا أولًا».
إلا أن بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر انتقد ما أسماه «تساهل» الافتاء بهذا الشأن، في لهجة تحمل الكثير من الحدة: «وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم».
مدى مصر