جرائم خلف الأبواب المغلقة
بهيجة حسين “كاتبة صحفية”
في روايتها البديعة”لقيطة اسطنبول” تفتح الكاتبة التركية “أليف شافاك” الأبواب لنرى ما يرتكب خلفها من جرائم. تبدأ بالأب وعلاقته بزوجته وبناته:” كان رجلا مضطربا لم يتردد في استخدام حزامه في تربية زوجته وأطفاله” مات الأب وظل سؤال ابنته ” الحزام الجلدي ذو البكرة النحاسية. هل ثمة منطق من وراء حزام يؤذي أكثر من بقية الأحزمة” ويكشف السؤال الموجع صورة من صور العنف الأسري ضد النساء. العنف الذي يمنحه المجتمع للأب والزوج والأخ وبقية ذكور العائلة الحق في الضرب بالحزام ذي المقبض النحاسي.
لا يتوقف العنف عند الضرب ولكنه يصل في أحيان كثيرة لمنطقة “المسكوت عنه ” وهو الاغتصاب في الرواية نفسها تتعرض الأخت للاغتصاب من شقيقها وريث مكانة الأب ” في تلك اللحظة لوى زراعها من خلف ظهرها وقفز من فوقها وهنا انقلب كل شئ وبات مختلفا… كان أول إحساس يراودها هو الإحساس بالعار… شعرت بالضعف والوهن من فورها وتجمدت على نحو ما، على نحو كشف لها عن نشأتها وتربيتها. لكن موجة عارمة من الذعر اكتسحت تلك المهانة والإذلال… ولكنه رفعها من جديد في ومضة عين فضربته وضربته وصفعته لكنه رد الصفعة بأقوى منها… سمعت صرخة تنطلق من فمها: قف صرخة مدوية لا تشبه إنسان بل كأنها صرخة حيوان في مجزرة”.
تلك الصرخة التي هي بالفعل صرخة حيوان في مجزرة محاطة بجدران الكتمان. جرائم محمية بالعرف والثقافة المجتمعية المتوارثة وبالقانون، فالأعراف والثقافة المجتمعية تحول دون وصول المرأة المعنفة أيا كان مستوى هذا العنف الأسري للتقاضي دفاعا عن حقها، كما ان لقانون يحرمها من عقاب من يرتكب العنف ضدها وفقا لنص المادة 60 من قانون العقوبات “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة “.
ونترك اسطنبول لنستمع إلي أصوات فتيات في احد الإحياء الفقيرة في القاهرة واللواتي اضطررن للزواج دون السن القانونية، كن خلف الأبواب المغلقة يتعرضن لكل أشكال العنف بداية من الضرب وحتى التحرش والاغتصاب تقول الشابة وهي واحدة من نحو مائتي فتاة كن ضمن بحث أجرته المؤسسة المصرية للحق في التنمية حول دوافع الزواج المبكر :” أبويا واخويا وعمي وجوز أختي كلهم يعني حاولوا يعتدوا عليا. قولت أتجوز أحسن واهو اغتصاب باغتصاب يبقى اللي بيغتصبني جوزي”.
نحن أمام كارثة حقيقية تستدعي التكاتف والنضال وتغيير ثقافة المجتمع ولسن القوانين التي تعاقب كل من يمنع المرأة من حقها في التقاضي في جرائم العنف الأسري وإسقاط المادة 60 من قانون العقوبات. طريق طويل وصعب وشاق، ولكن لن نقطعه إلا في التكاتف والنضال من اجل الوصول لمجتمع خال من العنف الأسري ضد النساء.