لم يكن هناك شك واحد فى المائة أن شيماء خليل صحفية، تنقل أحداث فض اعتصام التحرير عبر الهاتف لإذاعة «بى. بى. سى» الإنجليزية، التى تراسلها من القاهرة.. شيماء كانت تمارس عملها وسط الميدان، وليس داخل خيمة، ولا فى مدخل عمارة.. عيناها ليستا زرقاوتين، وملامحها لا تبث الشك فى أنها جاسوسة من إسرائيل، بل كانت ترتدى حجابها، الذى يزين ملامحها المصرية بامتياز..
فجأة وجدت شيماء نفسها فى ميدان التحرير مقبوضاً عليها بلا تهمة على يد ضباط من الشرطة العسكرية.. قالت لهم إنها مراسلة «بى. بى. سى»، وأظهرت لهم بطاقتها الصحفية، لكنهم عاملوها بمزيد من الغلظة، وهددوا باستخدام العنف لإرغامها على ركوب سيارة المعتقلين. أطاعت شيماء أوامرهم بكبرياء.. قادوها إلى مقر للشرطة العسكرية قيل لها إنه فى المقطم ويطلق عليه «سين ٤٥»، حيث قضت ليلة على البورش فى غرفةٍ بابها مفتوح، سرعان ما أوصدت بالقفل، قبل أن يأتى ضابط برتبة كبيرة فى المساء، ويأمر بنقل شيماء وعشرات المعتقلين الآخرين إلى غرفة أفضل، لكنه رفض الإجابة عن سؤالهم الملح: لماذا نحن هنا؟
فى هذه الأثناء كان زوجها أحمد صلاح زكى، الصحفى فى «بى. بى. سى»، يستقل طائرة من لندن إلى القاهرة، للبحث عن زوجته المختفية فى سجون الشرطة العسكرية.. وكنت أنا أسعى جاهداً للوصول لأى من قيادات المجلس العسكرى، أو الدكتور عصام شرف لمعرفة مصير زميلتى.. لكن المعلومة الوحيدة التى نقلها لى أحد رؤساء التحرير النافذين، نقلاً عن مصادره فى الجيش، هى أن الشرطة العسكرية لم تلق القبض على صحفيين مطلقاً، وأنه لا وجود لاسم شيماء خليل لديهم!
وصل أحد قيادات إدارة الشؤون المعنوية إلى المكان الذى تُحتجز فيه شيماء، ومعه فريق تصوير، وأمر المحتجزين، بمن فيهم شيماء، بالجلوس أمام الكاميرا، والتأكيد على أن الشرطة العسكرية لم تمس أياً منهم بسوء! أبدت شيماء دهشتها، وتساءلت: ماذا لو تعرضتُ لسوء بعد الإدلاء بهذه التصريحات؟ أجاب الضابط الكبير بأن «الهدف من هذا الفيديو هو ضمان عدم الادعاء على الشرطة العسكرية بعد إطلاق سراحهم بأنها أهانت أو عذبت أحداً منهم»!!
رغم أن بعض المحتجزين أكدوا لشيماء أنهم تعرضوا، خلال اعتقالهم، للإساءة اللفظية من قبل بعض الضباط والجنود!
سأل الضابط شيماء وزملاءها المحتجزين عن رأيهم فى المجلس العسكرى، وما يتردد بشأنه فى الشارع المصرى، وما يقال عنه فى وسائل الإعلام!!
بعدها نقلوهم جميعاً للنيابة العسكرية كى يجرى التحقيق معهم فى تهمة لم يعرفها أحد.. وبعد ساعات أطلق سراح شيماء، دون أن تعرف لماذا اعتقلت، ولماذا أطلق سراحها.
كيف بمن يتباهى بحمايته للشعب والثورة أن ينتهك حرية الرأى، ويعتقل الصحفيين وهم يمارسون عملهم، ويصورهم بالفيديو فى غرف الحجز؟ إن شيماء خليل ليست الصحفية الأولى التى تتعرض لمثل هذا الإجراء التعسفى.. مقالات كثيرة منعت، وبرامج توقفت، وإعلاميون فصلوا من عملهم بسبب انتقادهم للمجلس العسكرى كما تردد، رغم أن المجلس يضم بشراً وليس آلهة.
إن المجلس العسكرى مطالب بتوضيح موقفه من حرية الصحافة واحترام الصحفيين، ولكن ليس على طريقة البيان رقم ٦٩.