من بنغازي: محمد عبد الحميد عبد الرحمن- إذاعة هولندا العالمية
أصبح مكتب الادعاء العام في مدينة بنغازي هو مركز الثورة الليبية المناوئة لحكم العقيد القذافي. التجمع الذي عقد هنا من قبل عدد من المحامين والقضاة كان هو أول خطوة جدية في دعم ثورة الشباب ومنحها القدرة على التحدي والصمود. وكان ذلك اللقاء الأول بقيادة المحامية سلوى بوقعقيص، التي لا تزال تقود النشاط الثوري في بنغازي.
“لم نستطع أن نصدق أن بنغازي سقطت في أيدينا بعد أربعة أيام فقط من الاحتجاجات. النظام وحشي، لكننا صامدون كالصخور.” تقول السيدة بوقعقيص من مكتبها الأنيق حيث أصبحت شخصية أساسية من بين مئتي شخص من ابناء المدينة ينضمون أنشطة الثورة، في هذه البناية من أربعة طوابق، التي أصبحت القلب النابض للثورة في ثاني كبرى المدن الليبية.
لا تكتفي السيدة سلوى بوقعقيص وزملاؤها بتنظيم الشؤون السياسية للثورة، بل يشرفون أيضاً على إدارة شؤون المدينة في هذه الظروف الصعبة. في هذه الاثناء تتلقى اتصالا هاتفياً من مدينة الزاوية، الواقعة إلى الغرب من العاصمة طرابلس: قوات القذافي قتلت 23 متظاهراً. وفوراً تبدأ سلوى بوقعقيص بالاتصال بوسائل الإعلام لإبلاغها بهذا الخبر.
حالة مؤقتة
الاتصال الهاتفي الثاني جاء من ميناء بنغازي. وصلت للتو سفينة تركية محملة بالمساعدات الغذائية. أطلقت تنهيدة ارتياح، والتفتت إلى ثلاثة ضباط بالزي العسكري كانوا ينتظرون فرصة للحديث إليها. كل هذه الأمور جديدة على السيدة سلوى بوقعقيص، لكنها تقول إنها حالة مؤقتة، وسيتم تحويل الأمور قريباً إلى أشخاص مختصين. الأهم من هذه التفاصيل هو الهدف الذي يقف خلفها، على حد قولها: “أنني أرى ليبيا جديدة، حرة، مزدهرة، تـُحترم فيها حقوق الإنسان.”
قلق ومخاوف
كسيدة قيادية وكأم، لدى سلوى البوقعقيص مخاوفها الخاصة: “كما ترى.. عشرة أيام من العمل وساعات قليلة من النوم تركت آثارها علي، لم أر أولادي الثلاثة (20، 19، 17 سنة) إلا مرة واحدة قبل خمسة أيام. إنهم يتواجدون غالباً أمام المبنى مع المتظاهرين، لكنهم لا يستطيعون الدخول إلى هنا لرؤيتي، لأسباب أمنية.” تلقت هي بنفسها عدة تهديدات عبر الهاتف، متن قبل من تقول إنهم من أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للقذافي. خلال الأيام العشرة الماضية، كانت تبيت كل ليلة في مكان مختلف، خوفاً من التعرض للانتقام: “بالتأكيد أنا قلقة على بلدي، على أبناء وطني، وكذلك على أبنائي.”
السيدة التي تـُعنى بأبناء سلوى في غيابها تدخل هي الأخرى إلى “مركز الثورة”، لتساعد في تحرير البلاغات الصحافية، إلى جانب ست نساء أخريات. الدور القيادي الذي لعبته السيدة بوقعقيص في الأيام الماضية شجع العديد من نساء بنغازي للقدوم إلى مركز القيادة والقيام بأعمال تطوعية.
كل هؤلاء النسوة يحدوهن الطموح لأن يلعبن دوراً فاعلاً في الحياة العامة، دوراً حقيقياً وليس شكلياً، مثل الحارسات اللاتي يظهرن خلف القذافي.