تؤثر الحروب على المرأة بشكل يختلف اختلافاً كبيراً عن تأثيرها على الرجل. ولكن نظراًَ لاستبعاد المرأة من عمليات السلام، فإنه نادراً ما يتم الحديث عن ذلك وبالتالي لا يتم معالجته عند صياغة معاهدات السلام والدساتير الجديدة. ولكى نفهم لماذا هو من الضرورى أن يتم تطبيق منظور المساواة بين الجنسين نحتاج أن نتفهم أولاً الوضع الحالى للمرأة.
نساء سوريات دفعهن واقع النزوح هرباً من العنف والإرهاب والجماعات التكفيرية إلى فقدان المسكن والخصوصية واللجوء الى مراكز الايواء لمن أسعفهن الحظ بالوصول إلى المناطق الأمنة في حضن الوطن، أو إلى المخيمات لمن غدر بهن الزمن.. هؤلاء النسوة دفعهن هذا الواقع الى فقدان الأمان والحياة الأسرية الهادئة أضف الى ذلك رحلة شاقة للحصول على العلاج والرعاية والتعليم والتربية, فأين المرأة السورية من حملة مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين وثقافة السلام ونبذ العنف؟!!
قد تتمكن المرأة في بعض الاحيان من تغيير وضعها فى المجتمع أثناء الحروب وفى مرحلة ما بعد النزاع ، ولكن سرعان ما يعود الوضع إلى ما كان عليه من قبل، بل وقد تصبح الأدوار أكثر تحفظاً من منظور النوع الاجتماعى ويتم إنكار الحقوق التى استطاعت المرأة الحصول عليها من قبل بشكل مفاجئ،وذلك بإسم الدين أو المعتقدات السياسية،.
العنف الجنسي هو أحد أنواع العنف التى تحدث أثناء النزاعات المسلحة والذى يستهدف المرأة بصفة خاصة . حيث يستخدم الإغتصاب الجماعي والإعتداء الجنسي من قبل الجيوش كسلاح استراتيجي لمعاقبة الأفراد وبث الخوف، والقضاء على الخصوم وإذلال الرجال من خلال إرسال رسالة مفادها أنهم غير قادرين على حماية نساءهن. ويقدرعدد من تعرضن للإغتصاب خلال الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك إلى ما بين 20 – 50 ألف امرأة ، وقد تعرض للإغتصاب والتشويه أكثر من عشرة أضعاف هذا الرقم أثناء النزاع الجاري في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وإلى جانب الأضرار البدنية والنفسية الخطيرة للعنف الجنسى والخوف من الحمل الغير مرغوب فيه أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، فعلى ضحايا العنف الجنسى كذلك محاربة وصمة العار المرتبطة بالإغتصاب. فلا يجرؤ العديد من النساء على التحدث عن ما تعرضن له أو حتى طلب المساعدة خوفاً من أن يتخلى عنهم أزواجهن أو أن تنبذهم مجتمعاتهم. وعندما تنتهى الحرب ، فقد يضطررن في كثير من الأحيان للتعايش مع صدمة رؤية مغتصبيهم يستمتعون بحياتهم كما لو أن شيئاً لم يحدث، بل وأحياناً مقابلتهم وجهاً لوجه في شوارع مدينتهم.
وفى نوفمبر 1998، وللمرة الأولى في التاريخ، يقوم أحد المدعين العامين بإعتبارالإغتصاب جريمة بموجب القانون الدولي، مفيداً بأنه يمكن اعتبار الإغتصاب في حد ذاته كجريمة ضد الإنسانية (حدث ذلك أثناء انعقاد المحكمة الجنائية الدولية برواندا). ومع إعلاننظام روما الأساسي فى نفس العام ، تم الإعلان عن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بشكل دائم، وأصبح من الممكن اعتبار كلاً من الإغتصاب والدعارة القسرية والاستعباد الجنسي والحمل والتعقيم القسريين كجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب.
ولكن وجود آلية لتحقيق العدالة لا يعنى بالضرورة إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، حيث تتكرر حتى الآن حوادث الإفلات من العقاب على جرائم العنف الجنسي خلال النزاعات. وعلى الرغم من وجود قرارات للأمم المتحدة تنص بوضوح على وجوب التزام الدول بتقديم الرعاية الصحية لمن يحتاج إليها من الضحايا في مرحلة ما بعد الصراعات، فإنه لا يتم تخصيص الموارد الكافية لمعظم المرافق الصحية العاملة في مجال الصحة الإنجابية، وهو ما لا يعتبر انتهاكاً خطيراً لحقوق المرأة فحسب، وبل ويمثل أيضا عقبة خطيرة بالنسبة للدول التى تحاول إجراء عمليات المصالحة الضرورية وبالتالي التوصل إلى تحقيق سلام دائم.
يمتد العنف القائم على النوع الاجتماعى في كثير من الأحيان إلى مرحلة ما بعد النزاع، فمن الشائع أن تبدأ موجة جديدة من العنف المنزلي فى أعقاب النزاع، كمحاولة من الرجال للتعامل مع صدمات الحرب التى لم يستطيعوا معالجتها. فعلى سبيل المثال قامت أكثر من 80 في المئة من السيدات اللاتى لجئن إلى مركز المساعدة القانونية للنساء في زينيتشا طلباً للمساعدة، بالاعتراف بتعرضهن للعنف المنزلي، وذلك بعد خمس سنوات من إنتهاء الحرب في البوسنة والهرسك. وكما وصفت أحد السيادت القاطنات بمدينة موستار: “إن الحرب الأهلية قد توقفت أخيراً، ولكن تم استبدالها بحرب أخرى داخل الأسرة”. وهكذا يصبح استخدام العنف أكثر قبولاً اجتماعياً بعد انتهاء الحروب، يساعده فى ذلك توافرالأسلحة الخفيفة، مما يعطى أهمية خاصة لضرورة نزع الأسلحة فى مرحلة ما بعد النزاع.
مصادر : قوى متساوية لسلام دائم