بقلم د. نوال السعداوى ٢١/ ٦/ ٢٠١١
ما إن صدر القرار بتشكيل لجنة تعديل الدستور بعد سقوط مبارك ورأينا أن كل أعضائها من الرجال حتى بدأنا فى إعادة تأسيس الاتحاد النسائى المصرى الذى صادره أكثر من مرة الحكم السابق، كان الحماس كبيرا من الشباب والشابات، تكونت اللجنة التحضيرية وأصدرنا البيان الأول على الفيس بوك الخاص بالاتحاد يوم ٢٨ فبراير ٢٠١١، واستمرت الاجتماعات والاتصال بالمنظمات النسائية والشبابية للعمل معا من أجل توحيد الحركة النسائية المصرية التى مزقتها وزيرات ووزراء النظام السابق، تم تنظيم مسيرة ٨ مارس فى اليوم العالمى للمرأة، تصدى لها بلطجية الحكم وتحرشوا بالشباب والشابات، لكن الحماس استمر، والعمل تطور لترتبط قضايا النساء بالقضايا السياسية والاقتصادية والثقافية،
اعترضنا منذ البداية على إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية قبل تغيير الدستور والقوانين لتتماشى مع أهداف الثورة، لم تسفر لجنة تعديل الدستور عن شىء مهم، لم يسفر الاستفتاء عن شىء مهم، بل لعبت هذه الإجراءات السطحية الجزئية دورا كبيرا فى بلبلة الرأى العام وتقسيم القوى الشعبية التى وحدتها الثورة، فرق تسد هو المبدأ الأساسى لأى حكم، من البديهى أن وضع الدستور الجديد يسبق وضع القوانين الجديدة وهذا كله يسبق انتخاب مجلس الشعب الجديد أو رئيس جديد، لكن البديهيات تغيب عن طريق الإعلام والصحافة الحكومية والحزبية والشللية، يضيع الوقت والجهد فى إقناع الشعب بقلب الأوضاع، يضيع الوقت فى تصعيد قوى متخلفة تعمل لإجهاض الثورة الشعبية وتقسيمها، قوى سياسية واقتصادية تابعة للنظام السابق واللاحق تروج للتساهل مع الفساد ونهب أموال الشعب تحت اسم التسامح والتصالح والرحمة، تروج للتيارات الدينية السياسية الباطشة بحقوق النساء وفقراء الشعب.
ما هذه اللحى الغريبة الشكل التى أصبحت تطل علينا كل صباح فى الإعلام والصحف، ما هذا الترويج لأفكار العصور الوسطى وخزعبلات العبودية عن المرأة والعامل أو الفلاح الفقير، منذ التاريخ العبودى، يسمى علميا: النظام الطبقى الأبوى، ارتبط الاستغلال الاقتصادى للعبيد بالاستغلال الجنسى للنساء، وتم استخدام الأديان سياسيا لتثبيت القيم والنظم الأخلاقية المزدوجة، التى تفرق بين أخلاق البشر على أساس الجنس والطبقة والدين، أصبح سكان العالم ينقسمون كما قال أبوالعلاء المعرى إلى قسمين: قسم لهم ذقون وليس لهم عقول، وقسم لهم عقول وليس لهم ذقون، اليوم فى القرن الواحد والعشرين تنتشر فى صحفنا وإعلامنا هذه اللحى الغريبة على الشعب المصرى، المستوردة من بلاد الشرق والغرب والشمال والجنوب، يتساءل الناس: من ينفق على الدعاية لهذه اللحى فى الصحافة والإعلام؟
بالطبع تلعب الأموال والمصالح، دورا كبيرا فى الصحافة والإعلام، وفى تشكيل التكتلات والأحزاب السياسية الجديدة، فى الاتحاد النسائى المصرى الجديد ليس لدينا إعلام ولا أموال، أغلب الأعضاء والعضوات، من الشابات والشباب، خريجى الجامعات أو المعاهد، لم يحصل أغلبهم على عمل، يعيشون على موارد صغيرة، تأتيهم من أعمال متفرقة، هم بعيدون تماما عن الكتل المتصارعة فى الساحة السياسية والاقتصادية والإعلامية، رفضوا أى تمويل أجنبى، واختاروا الطريق الصعب، وهو أن يمولوا أنفسهم بأنفسهم، لكن هذا الطريق يؤخرنا فى تحقيق أهدافنا، خاصة فى هذا الجو الانتهازى السياسى، السباق المحموم والهرولة، للترشح للرئاسة والبرلمان، لتكوين أحزاب جديدة، تنبت فجأة، ويعلن عنها فى الصحف، بأسماء عضواتها وأعضائها، بالمئات أو الآلاف.. تضم نساء ورجالا، نشأوا وترعرعوا وأثروا من النظام السابق، منهم وزيرات ووزراء سابقون، صمتوا عن الفساد والظلم ونهب الشعب، صمتوا السنين الطويلة يرفلون فى نعيم الأنظمة السابقة، ثم ظهروا فجأة بعد انكماش مؤقت، انتظروا حتى هدأت الثورة الشعبية العارمة، ليعودوا من جديد إلى التكالب على السلطة والثروة. يشكلون الأحزاب السياسية فى ظلام الليل، نصحو فى الصباح على الخبر العظيم، تمت ولادة الحزب الحاكم الجديد، يضم بعض أسماء بارزة فى المعارضة الشرعية، وأسماء فى الحزب الحاكم القديم، وزراء ووزيرات رجال ونساء أعمال، أصحاب ملايين أو بلايين، بعض أسماء شباب وشابات لم يعرفوا الثورة إلا كلاما وصراخا فى الإعلام والصحف،
قرأت أسماء الحزب الجديد المرشح للحكم من قبل الإعلام والصحف، منحوه الصفحات الكبيرة الكثيرة والشاشات والإذاعات، وصفوه بالحزب العظيم الديمقراطى الوطنى الثورى المناضل الذى يعبر عن صوت الشعب كله والثورة المجيدة كلها، إنه صوت المصريين جميعا الذين يعشقون مصر ويموتون من أجلها، لم أقرأ فى قائمة أعضاء الحزب المنشورة اسم واحد من الشباب الّذين رأيتهم فى ميدان التحرير.
لا توجد مبادئ فى الصراع السياسى على الحكم والثروة، لكن مبادئ الثورة المصرية لن تجهض، مادام فى مصر رجال ونساء لهم ضمائر حية، وإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية، نريد لأصحاب الضمائر أن يرفعوا أصواتهم عاليا وينظموا أنفسهم، أنتم لا تملكون المال ولا السلطة ولا الإعلام ولكن المستقبل للصدق والعمل المخلص، هذا هو تاريخ الإنسانية الذى حارب الرق والعبودية حتى اليوم.