امرأة حزينة، أو ربما حائرة، تنظر للأسفل يبدو أن على أعناقها هموم العالم، كأنها تخشى النظر في أعين البشر. ربما مذنبة أو خاطئة لا غفران لها. ملابسها رثة بعض الشيء، مٌهمِلة كثيرا في مظهرها العام، وخلفها أصابع تشير اليها لتكتمل الصورة غموضا. بعض الكلمات المخُيبة للآمال “إنتي عانس”.. “ضل راجل ولا ضل حيطة”.. “راجل في البيت أحسن من شهادة على الحيط”.. “اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24″، لتُكوّن صورة كاملة عن تلك اللوحة الدعائية التي استخدمتها شركة إعلانات للترويج عن منتج ما لزيت القلي.
انتشرت لافتات على كوبري السادس من أكتوبر وفي أماكن متفرقة من أنحاء القاهرة، على مدار الأيام الخمسة الماضية، حاملة تلك المصطلحات المأخوذة من أمثال وموروثات شعبية قديمة.
أثارت تلك اللافتات غضب الرأي العام بصفة عامة والنساء بصفة خاصة، على اعتبار أنها إهانة للمرأة ولحريتها واستغلال بعض المصطلحات التي حاربت المرأة من أجلها كوسيلة عٌنصرية لها، مٌستغلين بذلك مشكلة اجتماعية كثيرا ما يتم تداولها في الإعلام المصري، من حين لآخر.
“أنا كل اللي عاوزه أفهمه إيه علاقة شركة زيت قليّة بقضايا المرأة” تساءلت مي علاء، إحدى رواد موقع فيسبوك. وأضافت مستنكرة “مش من حق أي شركة أو منظمة إنها تستغل قضايا المرأة في الإعلان عن نفسها، لأن ده فيه إهانة للمرأة ولحقوقها وخصوصا إن الشركة دي ملهاش أي علاقة بالقضايا النسائية”.
بينما علقت نسمة مصطفى، طالبة جامعية “اللي بيعمل الإعلانات دي واضح إنه شخص مش مسؤول، وعاوز يعمل أي حاجة غريبه يكسب بيها ناس وخلاص.
وتابعت “المفروض الناس دي تتحاكم لأنها بتستغل مشاكل البنات، وبعدين مفيش بنت عانس، فيه بنت اسمها قررت تكمّل طريقها وتعليمها وتتحدى المجتمع ده”.
أوضحت الدكتورة داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية، أن طرح الفكرة بهذا الشكل أمر غريب ومٌشين ولا يصح تداوله في إعلان ترويجي لمنتج ما، حيث لم يعد مطروحا حاليا كقضية أو موضع نقاش في المجتمع، مشيرة إلى أن مجرد طرح الفكرة إشارة لمجتمع ذكوري.
وأوضحت زيادة أن “العنوسة فيما مضى كان لقب يُطلق على المرأة لأنها كانت معتمدة على الرجل، حيث كان يراها المجتمع عالة على الأب لفترة معينة وبعد فترة يتولى مسؤوليتها رجل آخر حتى تموت، فتبلور لقب “عانس” على احتياج المرأة للرجل واعتمادها عليه في كفالتها وحمايتها، أما الآن فالمرأة استطاعت الاعتماد على ذاتها وتقلّدت مناصب المحافظ والوزير وأيضا أصبحت سيدة أعمال ناجحة.”
طبقا لما ورد بصفحتها الرسمية على فيس بوك، أطلقت الشركة تلك الحملة تحت اسم “إنتي المثل”، لتناقش بعض المعتقدات والموروثات التي وقفت عائقا في وجه الفتاه المصرية، وطلبت من الفتيات والنساء إرسال قصصهن الشخصية مع المثل الذي يشير إليه الهاشتاج، وشرح كيف تعاملن معه وتأثيره عليهن.
وقدّم المجلس القومي للمرأة شكوى لجهاز حماية المستهلك بشأن إعلان “انتي عانس”، مطالبا بالتوقف عن بث إعلانات الشركة، وإزالة اللافتات التي تقلل من قيمة المرأة أكثر منها دفاعا عنها، ما دعا جهاز حماية المستهلكلوقفها بالفعل.
وقال اللواء عاطف يعقوب، مدير جهاز حماية المستهلك، إن مثل هذه الإعلانات تخالف المواصفات القياسية، وتحرّض على العنف ضد المرأة وتقلل من شأنها.
وأوضح يعقوب أنه ستتم مخاطبة الشركات صاحبة هذه الإعلانات لإيقافها؛ تنفيذا لقرار مجلس إدارة الجهاز، وفي حالة عدم التزام الشركات، ستتم إحالة الأمر للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم، تطبيقًا لنص المواد “1، 19، 24” من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006.