عامان قد مضوا، عامان وأكثر، عامان وأعوام من الإنتهاك لأجساد النساء، أذرع النضال الأسهل إلى الإلتواء.
النساء .. هذه الكلمة التي ترتبط في أذهان شعوبنا بالكائنات الأسطورية ذوات البشرة الرقيقة الناعمة، دائمة الاحتياج إلى الحماية والبحث عن الأمن وهنّ –النساء- أيضًا نقطة ضعف ذويهم، هنّ العِرضْ، هنّ الشرف !
وهل يملك الانسان أغلى من الشرف والذي هو عِلّة مجتمعاتنا، فقد جردوا الشرف من الشرف، وأصبح الشرف هو الجسد، هو المادة، وهو قطرات الدماء، فكم من فتاة قُتلت واخرى زُوّجت من مغتصبها، وثالثة هربت إلى المجهول باسم الشرف، فقط لأنها هيّ نقطة الضعف ولأنها هيّ العِرض ولأنها هيّ الجسد.
ومن هُنا تبدأ الحكاية، تبدأ المأساة، فإن وراء كل “كَسرة عين” جسد لأنثى، جُل أزمتها أنها وُلدت أنثى في بلاد بها الإناث بلورات كريستال قابلة للكسر لذا وجب الحِرص، فربما تلطخت ببصمات أحدهم أو خُدشت بأيد آخر أو كُسِرَتْ تمامًا بفعل فاعل، وإن حدث ويحدث فأسهل الحلول هو الكتمان وفي رواية اخرى “الستر”.
يجردون الأنثى من كل شئ عدا الجسد، فيجردونها بذلك من إنسانيتها وكفى بها كَلِمة.
ولنبدأ النضال بنفس المنطق، فكانت السلطة على مر العقود تنتهك أجساد النساء تبعًا للفِكر المجتمعي السائد عن بلورات الكريستال، فما رأى أحدكم بلورة كريستالية في شوارع العاصمة تهتف بالحق أو تقود مظاهرة في احدى محافظات الجمهورية، وفي الصفوف الأمامية تحمل أحجارًا انتزعتها بيديها من الأسفلت لتقف أمام أسلحتهم بقوة وإصرار، ولذلك تتخذ السًلطات القمعية من النساء أداة للقمع، فا “كسرة العين” للذكور في ذويهم من البلورات كانت احدى الخطط السياسية الاجتماعية التي استمرت معنا وبلغت حد البجاحة في عهد نظام مبارك، وحد الأباحة في نظام الاخوان المسلمين.
ولكني أرى مُبرراً للسلطة! فالشخص الذي نشأ في مجتمع يرى إناثه عورات واجبة الستر يسعى لفضح عورات غيره، ظنًا أن قمة الإهانة أن ينل المواطن الرفيع “صاحب السلطة وجامع المال” من عرض المواطن البسيط في نساؤه، فيخاف الأخير وإما يرجع عن مطالبته بحقه من نظام يمص دماء شعبه، أو يمنع بلوراته الكريستالية من النزول إلى الشارع والإكتفاء بالمساعدات العينية والتبرع بالدم، خوفًا عليها، خوفًا على الجسد، أو فهم اللعبة المكشوفة والإعتراف بأن هذا الجسد هو لانسانة كاملة الأهلية ، لها الحق وعليها الواجب، شريكة في وطن يحتاج للجميع كي لا يلفظ أنفاسه وسط بركة من دماء أبنائه.
وفي نفس السياق فإن ثقافة بلورات الكريستال تهدد الانظمة السياسية عندما يرى المواطن الرجل بلورة كريستالية في ساحة المعارك، أو تقف متحدية طلقات الرصاص وقنابل الغاز فيشعر بالخزي لأنه لم يكن شجاعًا بالقدر الذي يجعلها تمكث في بيتها “متستتة” بينما يدافع الرجال الأقوياء عن البلاد، فينزل ويواجه ويزداد عدد المحتجين فتستجب الأنظمة.
وبسياسة “الستر” تتعامل القوى السياسية الآن، فإن ما يحدث للنساء في ميدان التحرير طالما أنه لم يظهر للرأي العام بالكم المعتاد عليه من الإدانة والشجب والشهيق المصاحب لفتحات فم المذيعين وفقًا لبشاعة الحدث، فهو لم يحدث بعد ، ولن نتحرك بعد، لأنه لم يحن الوقت بعد لتحسين صورتنا أمام الكاميرات وعلى صفحات الصحف، ولأن الثورة مشغولة الآن بما هو أكبر من إنتهاك الأجساد وكأن تلك الأجساد هي مجرد أجساد لا تملؤها أرواح وتديرها عقول تسعى لمصلحة الوطن كالباقين وكأن ليس من مطالب الثورة ضمان الحقوق والأمن للجميع.
أخشى على مستقبل القضية النسوية في مصر لطالما لا يهتم بها من ينصبون أنفسهم للدفاع عن الثورة وهم يسعون إلى ما يرونه صائب بغض النظر عن أراء من قاموا بالثورة أنفسهم، ولطالما من واجهنّ ظاهرة التحرش والمتطورة إلى الإغتصاب الجماعي داخل ميدان الثورة هنّ الحركات النسوية فقط، فنعود بذلك إلى العهود السابقة من المصالح السياسية المغطاة بغطاء معارضة النظام.
أعزائي من يتصدرون المشهد السياسي في مصر
لعلكم تدركون وقع الإغتصاب في منطقة نائية، تحزنون وتتبادلون العبارات الترويحية ثم تستبدلون الحديث بآخر أكثر إثارة، ولكني أريد أن أعرض بعض شهادات مغتصبات ميدان الثورة:
1- “في لحظات قليلة تمزقت ملابسي تماما في زحام المهاجمين الذين أمسكوا بكل جزء في جسمي بلا استثناء، وأدخل أحدهم إصبعه في مؤخرتي بمنتهى العنف، أخذت أصرخ وأحاول الوصول إلى الحائط وكنت أرى على الناحية الثانية شبابا يقفون على شيء عال وينظرون ويضحكون”.
شهادة فتاة محمد محمود، جمعة لا للدستور 23 نوفمبر 2012.
2- “من هؤلاء؟. كل ما كنت ادركه أن هناك المئات من الأيادي تجردني من ملابسي وتخترق جسدي بكل وحشية، لا سبيل للنجاة فالكل يقول أنه يحميني وينقذني لكن ما كنت أشعر به أن الدوائر القريبة مني والملتصقة بجسدي يغتصبوني بأصابعهم من الأمام والخلف”.
شهادة ناجية من اغتصاب جماعي يوم 25 يناير 2013 بميدان التحرير.
3- “و فجأة بقينا في نص الشارع و ال ٥ ايدين بقيت أكتر بكتير. بيمسكوني من كل حتة في جسمي وباصابعهم يضعونها في مؤخرتي من فوق البنطلون و في سستة بنطلوني بمنتهى العنف و الوحشية.
شعرت بشيء مدبب و خفت جدأ لقيت واحد بحاجة صغيرة مدببة بيحاول يدخلها أو يقطع بيها بنطلوني”.
شهادة عضوة من قوة ضد التحرش والاغتصاب الجماعي 30 يناير 2013
لعلكم تدركون الآن ليس وقع الإغتصاب فحسب وإنما أن ما قد يلوث ثورتنا هو الصمت عن هذه الإنتهاكات، معترفين ضمنيًا أن نساء ثورتنا هنّ البلورات، وهنّ الذراع الذي إن لواه النظام فلن ننطق ببنت شفاه.
عليكم أن تدركوا جيدًا أن النساء هنّ شركاء الثورة منذ البداية ولهنّ كل الحق في الإعتراف بآدميتهنّ وأن أي إنتهاك لهنّ هو إنتهاك للثورة وإنتكاسة لها.
عليكم أن تعوا مسئوليتكم عن تأمين الميدان، ليس لأن النساء يحتاجنّ إلى حماية، فهنّ ينزلنّ المعارك مع الرجال جنبًا إلى جنب، ولكن لأن الميدان هو رمز الثورة ولأن من يعجز عن حماية ميدان فكيف سيحمي دولة بحجم الدولة المصرية ؟!
وأخيرًا علينا كنساء أن نُدرك أن رسائل النظام ماهي إلا إعتراف بثقافة البلورات الكريستالية، ولأن كل منّا هي مواطنة لها من الحقوق ما يجعلها تقف في وجه كل نظام مستبد لتطالب بها وتنتزعها، فإن استسلمنا فلا نلوم أحدًا قام بالإدعاء أننا الجنس الأضعف، وعلينا أن نُدرك أيضًا أن لا حرية لوطن تنتهك الأجساد في أرضه، فلا إستجابة للترهيب ولا مساومة على الحُرية، معًا لاستكمال ثورتنا.
غدير أحمد
31/01/2013