بعد عقود من القمع خرجت النساء المصريات، جنباً إلى جنب مع الرجال، للمطالبة بتغيير نظام الحكم. وقد شكَّل ذلك لحظة حاسمة في التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي في مصر. إذ تظاهرت النساء من جميع العقائد الدينية والطبقات والخلفيات وهتفن، جنباً إلى جنب مع الرجال، من أجل التغيير السياسي. ولم تتظاهر هؤلاء النساء للمطالبة بدعم “قضية المرأة”، وإنما للمطالبة بإحداث تغيير جذري في النظام السياسي في مصر، للمرأة والرجل على حد سواء. ولكن ذلك لم يحدث في ميدان التحرير والميادين الاخرى بالمحافظات المختلفة (مثل الاسكندرية، والسويس … الخ) في يناير/ كانون الثاني 2011، فحسب وإنما حدث في مارس/ آذار 1919 كذلك، عندما خرج الشعب المصري إلى الشوارع للمطالبة باستقلال مصر عن بريطانيا. وبعد حصول المصريين على استقلالهم بوقت قصير، أُزيحت المرأة وقضايا المرأة إلى الهامش. لقد تمت خيانة الروح التعاونية للشارع، ودفعت المرأة ثمن تلك الخيانة على مدى التسعين عاماً الماضية.
وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011، خرجت النساء من جميع الطبقات والخلفيات والعقائد الدينية إلى الشوارع، جنباً إلى جنب مع الرجال، للمطالبة بإنهاء رئاسة حسني مبارك، وإقامة نظام حكم جديد في مصر. وقد وقفت نساء ميدان التحرير (والميادين الاخرى)، شأنهن شأن شقيقاتهن في ثورة عام 1919، إلى جانب أشقائهن الرجال المصريين للمطالبة بالإصلاح السياسي، بما في ذلك القضايا المهمة التي تؤثر على المرأة، من قبيل الحقوق الإنجابية وعجز الدولة عن التصدي للعنف ضد المرأة وانعدام المساواة بين المرأة والرجل في قانون الأحوال الشخصية (مسلميين ومسحيين).
ولكن مع أن جذوة الثورة لا تزال مشتعلة، فإنه يُخشى أن يجري دفع قضية المرأة إلى الهامش مرة أخرى. إذ أن الإشارات الظاهرة حتى الآن ليست واعدة. فلجنة تعديل الدستور التي شُكلت في 15 فبراير/شباط لا تضم في عضويتها أية امرأة، على الرغم من وجود العديد من النساء المصريات الخبيرات في القضايا الدستورية، واللائي يمكنهن تقديم إسهامات قيِّمة في عمل اللجنة. وفي 20 فبراير/شباط. حاول أحد القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، وهو محسن راضي، رسم وتحديد مدى مشاركة المرأة في الحياة العامة قائلاً : “إن من حق الأحزاب السياسية أن ترشح نساءً أو أقباطاً لمنصب الرئاسة، ولكننا نجد ذلك غير ملائم، وربما ينبغي ترشيحهم لمناصب وزارية فقط.”
وأشار بعض المعلقين إلى أنه ما دامت حقوق المرأة محفوظة في عقول الرجال خلال عملية التطور هذه في مصر، فإن المساواة بين الرجل والمرأة ستزدهر. بيد أن مجرد إقصاء المرأة عن المشاركة في هذه الحوارات والمفاوضات الحاسمة من شأنه أن يقوض مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. ولا يمكن إصلاح مثل هذا الإقصاء بدعوة النساء إلى المشاركة عندما يتم التصدي “لقضايا المرأة” فقط. إذ أن عملية اتخاذ قرار بشأن كيفية تفكيك الطغيان بعد فرار الطاغية تعتبر قضية تهمُّ المرأة. وإن ضمان خلق سيرورة مساءلة واضحة للحاكمين أمام المحكومين هو جزء لا يتجزأ من بناء نظام حكم جديد. وتعرف النساء اللائي كن يعانين من تهميش كبير في ظل نظام الحكم السابق ما يتعين على الحكومة أن تقوم به من أجلهن، في حين أن الرجال لا يعرفون ذلك.
وقال آخرون إن التركيز على مشاركة المرأة في هذا الوقت الذي يتسم بالاضطراب وانعدام اليقين، ينتقص من العمل المباشر والحاسم الذي ينبغي القيام به لإعادة بناء مصر. بيد أن مشاركة المرأة في بناء الديمقراطية وفي الحكم ليس قضية نسوية محض، بل تصل إلى صُلب ما من شأنه أن يخلق ديمقراطية حيوية وفعالة وتمثيلية بحق. ويجب ألا يقتصر الأمر على استماع الرجل إلى المرأة فحسب، وإنما يجب أن يُتاح لها مجال التفاوض واتخاذ القرارات وممارسة الحكم، جنباً إلى جنب مع الرجل، في مصر الجديدة.
ويتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يكفل المشاركة الكاملة لجميع فئات المجتمع. ولا يمكن القيام بذلك بطريقة شكلية أو رمزية لأن ضمان تعزيز المساواة، ومنها المساواة بين المرأة والرجل، في مصر الجديدة، وتطبيق قيم المساواة والكرامة والحرية والعدالة على جميع المصريين، يعتبر أمراً أساسياً.
ومع وجود سياسة جديدة ناشئة، وشعب تواق للتغيير الحقيقي، فإن مصر بحاجة إلى قيام رجالها ونسائها بالاعتراف والجهر بمحدودية أية حكومة تعمد إلى إقصاء المرأة. وإن إعادة إنتاج نظام حكم الامتيازات على أساس التمييز الاجتماعي أو الديني أو البيولوجي بين الناس، من شأنه أن يرسخ مرة أخرى نظاماً يحكم الجميع ولكن لمصلحة الأقلية.
إن الحكومة المصرية المؤقتة يجب ألا تخون روح الشارع بالعودة مرة أخرى إلى العمل كالمعتاد. ويجب ألا تخون إرث النساء اللاتي دفعن الثمن من أرواحهن خلال الاحتجاجات. ولن تنتظر النساء ولا يمكن أن ينتظرن 90 سنة أخرى كي تلوح الفرصة التالية لبناء مصر الجديدة والسمو بها. وكما ردد المحتجون بصوت عال وبشجاعة هتاف “ارحل” لحسني مبارك، فإن الشعب المصري يدعو الحكومة المؤقتة في مصر بصوت عال وبشجاعة كذلك، إلى وضع حد للسياسة التمييزية والإقصائية القديمة، والمساعدة في الإرشاد على الطريق المؤدي إلى بزوغ فجر المشاركة الكاملة للمرأة في الحياة العامة في مصر، الذي طال انتظاره.