تأتي المتابعات الدولية هذا العام بمرور ثلاثين عامًا على إطلاق منهاج بيجين لتحقيق المساواة بين الجنسين، لتكشف أغلب التقارير الدولية تجاوز فاق التوقعات في اتساع الفجوة بين الجنسين خاصة في الحماية من العنف في المجالين الخاص والعام، وتدهور أوضاع العمل والاقتصاد للنساء، وارتفاع معدلات تأنيث الفقر.
ولم تكن المرأة المصرية بعيدة عن رصد التقارير الدولية لتدهور أوضاع النساء في العالم، بل تقاسمت نصيب كبير من تدني مؤشرات الحماية والمساواة بين الجنسين، فحسب رصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفع معدل البطالة بين النساء أربع أضعاف عن مثيله بين الرجال، كما احتلت مصر المرتبة الأقل في العمل للنساء والاقتصاد، وجاءت في المرتبة 175 من ضمن 190 اقتصاد في 8 مجالات اشتملت تردي أوضاع النساء في المجال العام، وخاصة في سوق العمل والأجور وأيضا في المجال الخاص، كما اشتملت الأحوال الشخصية ومناهضة العنف ضد المرأة.
فلم تشهد مصر إلى الآن قانون عمل موحد يستجيب لبعد النوع الاجتماعي، سواء للعمالة المنظمة أو غير المنظمة، بما أسفر إلى تعرض نسبة كبيرة من النساء لسوق عمل يفتقد معايير العمل اللائق، ونسبة أكبر تفتقد الحماية القانونية في نطاق العمالة المنزلية غير مدفوعة الأجر، ولا زال القانون يتجاهل أوضاع العاملات الزراعيات والنساء في مجال الرعاية المنزلية.
ويمتد تعثر الإصلاح التشريعي بالقدر نفسه على مستوى تشريعات الحماية من العنف ضد المرأة في كلا المجالين العام والخاص، حيث تصاعدت حوادث الرأي العام في الخمس سنوات الماضية بجرائم قتل النساء في المجال العام، كما ارتفعت معدلات العنف والابتزاز الإلكتروني وغيرها من أشكال ممارسة العنف التقليدية والحديثة دون سن قانون موحد لمناهضة العنف، وقانون جديد للأحوال الشخصية إضافة لقوانين الحماية من العنف ضد الطفلات فإلى الآن لم يسن تشريع لتجريم الزواج المبكر.
ولازالت تجربة المشاركة السياسية للنساء في المجالس البرلمانية هي نتاج لقصور النظام الانتخابي في إتاحة المنافسة الانتخابية بين طيف سياسي واسع للنساء، كما لم يجري أي تعديل على قانون مباشرة الحقوق السياسية الحالي مستجيب للنوع الاجتماعي يراعي سلامة العملية الانتخابية، وتحقيق مؤشرات لتكافؤ الفرص وتمكين النساء من التصويت والترشح الحر دون استخدام لخطاب الكراهية والتحريض أو المال السياسي، إضافة إلى مرور عشرة أعوام كاملة على الدستور دون إحداث أي تحرك نحو الاستحقاق الدستوري في قانون شامل لمكافحة التمييز وإنشاء مفوضية مكافحة التمييز.
وتشير التقارير الدولية إلى ضعف كفاءة السياسات العامة وخاصة المعنية بتكافؤ الفرص بين الجنسين والتنفيذ الفاعل للقانون خاصة على مستوى النفاذ للخدمات العامة ومنها التنقل، وأماكن العمل الآمنة، وبرامج رعاية الطفل بما يتيح للنساء فرص متساوية للخروج لسوق عمل آمن ومحفز، إضافة لضعف النفاذ للخدمات المستجيبة للنوع الاجتماعي، والمعنية بمناهضة العنف سواء على مستوى تناسب مراكز الاستضافة الآمنة أو مستوى تيسير مسار العدالة الناجزة في النظر إلى تشريعات الحماية من العنف ضد المرأة.
ولازالت السياسات الإعلامية بشكل عام والمتخصصة في مجالات كالرياضة والخدمات المدنية تفتقد الحساسية في تناول الحقوق المتساوية بين الجنسين، وتعد بيانات بعض الاتحادات الرياضية كالشيش والملاكمة مؤشر واضح لقصور في فهم حقوق المساواة بين الجنسين في المجال الرياضي، إضافة لبيان مصلحة الجوازات الأخير والتعبير عن العمالة غير المنظمة والحرة للنساء “بالفئات الدنيا”، ويظل استثناء الآلاف من المعلمات الجائزات لاختبارات التقديم لوظائف التعليم لدواعي السمنة والممارسة الرياضية تمييزًا فاضحًا ضد النساء في المشاركة العامة والعمل.
وختامًا هذا مايدفعنا للتأكيد على ضرورة إتمام تعديلات تشريعية مؤثرة في النص والتنفيذ، وتبني سياسات فاعلة لتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين.