قالت هيومن رايتس ووتش اليوم (17 اغسطس) إن قرار النيابة العسكرية بالملاحقة القضائية لأسماء محفوظ، القيادة الشبابية، بتهمة “إهانة الجيش” هو تصعيد خطير من قيادات المؤسسة العسكرية لإسكات أصوات الانتقاد.
قامت النيابة العسكرية هذا الأسبوع وحده باستدعاء أسماء محفوظ ومها أبو بكر، المحامية، على خلفية اتهامات متعلقة بالرأي والتعبير، المكفول له الحماية بموجب حرية التعبير. المذكورتان هما من بين عدد كبير من المتظاهرين وغيرهم من المدنيين، بصدد محاكمات في المحاكم العسكرية المصرية. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب ألا يُلاحق المدنيين قضائياً أمام المحاكم العسكرية المصرية، التي لا تفي بالمعايير الأساسية لإجراءات التقاضي السليمة
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “قرار ملاحقة أسماء محفوظ قضائيا هو اعتداء خطير على حرية التعبير والمحاكمات العادلة، باستخدام نفس القوانين المسيئة التي كانت تستخدمها حكومة مبارك ضد منتقديها. المؤسسة العسكرية تحاول استخدامها لإسكات أي معارضين محتملين، وترسل رسالة مفادها أن انتقاد الحكومة العسكرية يعني دخول السجن”.
قضية أسماء محفوظ هي الأخيرة في سلسلة من الإجراءات الرامية للملاحقة القضائية على خطاب معارض أو انتقادي للمؤسسة العسكرية، والتي وعلى حد قول هيومن رايتس ووتش، تزيد من تضييقها على ما يُسمح بقوله والتعبير عنه.
تلقت أسماء محفوظ – القيادية السابقة في حركة 6 أبريل الشبابية – استدعاء جاءها على بيتها في 13 أغسطس/آب 2011 بالمثول أمام النيابة العسكرية اليوم التالي للاستجواب. حققت معها النيابة العسكرية لأكثر من 3 ساعات عن تعليقاتها على تويتر وفي المقابلات الإعلامية أثناء تظاهرات 23 يوليو/تموز، التي انتقدت فيها المؤسسة العسكرية على الإخفاق في التدخل لحماية المتظاهرين.
اتهمتها النيابة بـ “الدعوة لتهديد السلام الاجتماعي” و”نشر أخبار كاذبة” و”إهانة الجيش”، لكن سمحت بالإفراج عنها بكفالة 20 ألف جنيه مصري (3400 دولار)، وهي كفالة عالية للغاية على أغلب المصريين. في 16 أغسطس/آب ذكرت وكالة الأنباء الرسمية المصرية، وكالة أنباء الشرق الأوسط، على لسان مسؤول بالقضاء العسكري، أن النيابة العسكرية قررت إحالة قضية محفوظ إلى المحكمة بناء على اتهامات إهانة الجيش، مع إسقاط باقي الاتهامات ولكن حتى الان لم يصل لمحفوظ إخطار بالإحالة.
وفي 14 أغسطس/آب اصدر رئيس القضاء العسكري – اللواء عادل مرسي – بيان صحفي و بدأ فيه بالتأكيد على أهمية دور التعبير عن الرأي في المجتمع، ثم دعى الجمهور إلى مطالعة صفحة أسماء محفوظ على الفيس بوك ليروا بأنفسهم ” إذا ]كانت تعليقاتها تمثل رأيا أو خروجا عن القانون بما لا يليق وبما يحمله من تحريض “. التعليق المذكور، الذي دونته أسماء محفوظ على موقعي تويتر وفيس بوك هو: “من الآخر لو القضاء ما جابش حقنا محدش يزعل لو طلعت جماعات مسلحة وعملت سلسلة اغتيالات طالما ما فيش قانون وما فيش قضاء محدش يزعل”.
وقال جو ستورك: “تعليقات أسماء محفوظ تعكس قلقها على الحاجة للعدالة، وما قالته تحميه حرية التعبير حماية كاملة”. وتابع: “إلا أن المؤسسة العسكرية تقاضيها بموجب قانون معيب بشكل بيّن. لابد من إسقاط هذه التهمة فوراً”.
مها أبو بكر، محامية تمثل الضحايا في محاكمة مبارك وناشطة في حركة كفاية، تلقت استدعاء بالمثول أمام النيابة العسكرية على خلفية الاتهام بـ “إهانة الجيش” في 16 أغسطس/آب. أثناء التحقيق، عرضت النيابة عليها مقطع فيديو من مظاهرة 23 يوليو/تموز في العباسية، بالقاهرة، لمتظاهرة، كما قال لها النائب، “تهين” الجيش. أسقطت النيابة الاتهامات بحقها عندما أدركت أن مقطع الفيديو لا يخصها هي. وقال المحامي أحمد راغب لـ هيومن رايتس ووتش إن مقطع الفيديو لم تصوره وسائل الإعلام، مما يوحي بأن الجيش كان يصور المتظاهرين أثناء التظاهر.
تعكف المحاكم العسكرية حالياً على محاكمة عدد كبير من المتظاهرين. في قضية ظهرت يوم 15 أغسطس/آب، نُسب الاتهام لستة متظاهرين بـ “إهانة الجيش” أمام محكمة العسكرية، لأنهم رددوا شعارات “مناوءة” للمشير محمد حسين طنطاوي، الحاكم الفعلي للبلاد، بالإضافة إلى اتهامات بالتعدي على ضابط شرطة. حكمت المحكمة العسكرية على حسن بهجت بالحبس ستة أشهر في قضية أخرى، رقم 3779 لسنة 2011، بتهمة إهانة الجيش في ميدان التحرير يوم 6 أغسطس/آب.
كما يحاكم القضاء العسكري حالياً مجموعات من المتظاهرين تم اعتقالهم في القاهرة أواخر يونيو/حزيران ومطلع أغسطس/آب في ميدان التحرير، وفي الإسكندرية يوم 22 يوليو/تموز. تضم هذه المجموعة 43 متظاهراً تم القبض عليهم أثناء احتجاجات28 و29 يونيو/حزيران أمام وحول وزارة الداخلية في وسط البلد بالقاهرة. أحدهم هو الناشط لؤي نجاتي، الذي اعتقلته الشرطة العسكرية تعسفاً في 29 يونيو/حزيران في شارع الفلكي، بالقرب من وزارة الداخلية. تم احتجازه لمدة 8 أيام في السجن الحربي، ثم أُفرج عنه لأسباب صحية. منسوبة إليه تهمة “التعدي على موظف عام” و”إثارة الشغب “. الجلسة التالية المقررة له هي 23 أغسطس/آب.
حكمت المحاكم العسكرية على 10 آلاف مدني على الأقل منذ يناير/كانون الثاني 2011 بعد مجريات تقاضي غير عادلة، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ولابد من إعادة محاكمتهم جميعاً أمام محاكم مدنية غير استثنائية.
خطوط الجيش الحمراء
كثيراً ما كانت حكومة مبارك تلجأ إلى الأحكام الفضفاضة غير الواضحة في قانون العقوبات لقمع أي انتقاد مشروع لسجل الحكومة الخاص بحقوق الإنسان، أو أي انتقاد لأوضاع سياسية، فتمت محاكمة رؤساء تحرير الصحف وزعماء المعارضة والنشطاء بتهم مثل “إهانة الرئيس” و”إهانة مؤسسات عامة”. تستخدم الحكومة العسكرية والمحاكم العسكرية نفس أحكام القانون المذكورة.
في 11 أبريل/نيسان حكمت محكمة عسكرية على المدون مايكل نبيل بالسجن 3 سنوات بتهمة “إهانة المؤسسة العسكرية” بموجب المادة 184 من قانون العقوبات وبتهمة “نشر أخبار كاذبة” بموجب المادة 102. الأدلة المعروضة ضده كانت تتلخص في قرص مدمج (سي دي) فيه تفاصيل ما نشره نبيل على مدونته، وتعليقات له على الفيس بوك على مدار عدة شهور. محامو نبيل طعنوا في الحكم الصادر ضده لكن المحكمة لم تحدد بعد موعداً لجلسة النقض.
واستدعت النيابة العسكرية ما لا يقل عن سبعة نشطاء وصحفيين، بينهم أسماء محفوظ، للتحقيق معهم على خلفية اتهامات تشهير جنائية بعد أن انتقدوا علناً المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو القيادة العسكرية، أو على خلفية إساءات مزعومة للجيش. تم استدعاء الناشط والمدون حسام الحملاوي بعد أن قال على شاشات التلفزيون أنه يُحمل رئيس الشرطة العسكرية، اللواء حمدي بدين شخصياً مسؤولية أعمال التعذيب التي ترتكبها الشرطة العسكرية.
وقال أحد قيادات المؤسسة العسكرية لـ هيومن رايتس ووتش في يونيو/حزيران إن النيابة العسكرية “قدمت [للحملاوي آخرين] قهوة أمريكية وناقشت معهم مختلف القضايا. لم يستغرق كل هذا أكثر من ساعة واحدة”. وفي مناسبة أخرى، في 19 يونيو/حزيران، استدعت النيابة العسكرية الصحفية رشا عزب، ورئيس التحرير عادل حمودة، للتحقيق في مقال كتبته عزب عن ادعاءات بانتهاكات لحقوق الإنسان على يد الجيش.
وقد قابل وفد من هيومن رايتس ووتش أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 6 يونيو/حزيران، وأعرب الوفد عن القلق إزاء ما تثيره الاستدعاءات للنيابة العسكرية على خلفية اتهامات جنائية في النفوس من رهبة، وما لهذا من أثر سلبي على حرية التعبير بشكل عام. أحد ضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة رد وقتها:
نحن لا نستجوب أحد على انتقاد الجيش، لا نوجه الأسئلة إلا لمن يتهمون الجيش ويشهرون به ومن ينشرون أخباراً غير دقيقة من أجل بث الشك في القوات المسلحة، نطلب منهم فقط تقديم ما لديهم من أدلة. استدعينا أربعة صحفيين فقط لسؤالهم عن معلوماتهم ومصادرهم بما أن [ما كتبوه/قالوه] تعرض لسلوك القوات المسلحة وله تداعيات خطيرة على صورة القوات المسلحة.
وفي بيان صحفي بتاريخ 14 أغسطس/آب قال مرسي إن هناك “البعض يستغل حرية الرأى ذريعة فى وسائل الإعلام ويعلن عن تهديدات بميليشيات مسلحة لتنفيذ اغتيالات ” مشيراً إلى تويتة أسماء محفوظ، و”وتجاوز حدود إبداء الرأى إلى سب وإهانة القوات المسلحة والمجلس الأعلى “، مضيفاً أن المجلس الأعلى لا يحد من حرية التعبير، لكنه لا يحقق إلا فيما يحظره قانون العقوبات المصري، وأن القضاء العسكري يجري التحقيقات بناء على اختصاصه القضائي المخول إليه بموجب قانون الأحكام العسكرية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن قاعدة الاختصاص القضائي العريضة لقانون الأحكام العسكرية لا تستقيم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إذ أنها تسمح بمحاكمة المدنيين عسكرياً دون فرض أي حدود للاختصاص القضائي.
قانون العقوبات غير متسق مع القانون الدولي
لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – هيئة الخبراء المسؤولة عن تفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومصر دولة طرف فيه – قالت بشكل واضح في تعليقها العام رقم 34 الصادر مؤخراً، بشأن المادة 19 من العهد الدولي والخاصة بحرية التعبير، إن “على الدول الأطراف ألا تحظر انتقاد المؤسسات العامة، مثل الجيش أو الإدارة السياسية”. بموجب هذا المعيار، فالمادة 184 من قانون العقوبات المصري، التي تجرم إهانة مجلس الشعب أو الشورى أو أية سلطة بالدولة أو الجيش أو المحاكم، لا تتسق مع القانون الدولي، ومن ثم فهي واجبة التعديل، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
ويضم قانون العقوبات المصري مواد عديدة تخرق القانون الدولي، إذ تنص على عقوبات بالسجن على “إهانة” المسؤولين والمؤسسات العامة، بما في ذلك الرئيس (مادة 179) والمسؤولين (مادة 185) وملوك ورؤساء الدول الأخرى (مادة 180) والدبلوماسيين الأجانب (مادة 182). وذكرت لجنة حقوق الإنسان أيضاً في التعليق العام رقم 34: “مجرد فكرة أن بعض أشكال التعبير تعتبر مهينة لمسؤول عام ليست مبرراً كافياً لتبرير فرض العقوبات، لا سيما أن المسؤولين هم أنفسهم يستفيدون من أحكام العهد الدولي. كما أن أي مسؤول عام، بما في ذلك من يمارسون أرفع المهام في السلطة السياسية، مثل رؤساء الدول والحكومات، يمكن بموجب القانون كيل الانتقاد إليهم ومعارضتهم سياسياً”.
وقال جو ستورك: “على مصر أن تراجع سريعاً الإطار القانوني الذي استغله مبارك على مدار السنوات لقمع وإسكات منتقديه”. وتابع: “من غير المقبول أن تستعين المؤسسة العسكرية الآن بنفس القوانين كي تقمع حرية التعبير، لا سيما مع اقتراب الانتخابات”.