من مدونة ديمة الخطيب
عنوانها: وريقات من ديمة
كان الحر شديداً جداً في جمعة الإنذار الأخير.. لا أعرف كيف يستطيع الناس أن يبقوا في مثل هذا الحر يهتفون
أنا كنت مختبئة أغلب الوقت في ظل الخيام حيث كان الحر شديداً أيضاً
كانت المشاركة في المظاهرات أقل بكثير من الجمعة الماضية
لكن الاعتصام مستمر والخيام أكثر من الجمعة الماضية
انزعجت قليلاً من طريقة تعامل المسؤولين عن تفتيش الداخلين إلى الميدان. فهم يشكون في الأجنبي، وأقصد بالأجنبي غير المصري مع أنني لا أعتبر نفسي أجنبية في مصر. لكني عوملت وكأنني يمكن أن أشكل خطراً ما.. كانت الفتيات عند المدخل يبحثن في جواز سفري عن ختم دخول إلى اسرائيل. قلت لهن : أنا فلسطينية لا تستطيع حتى الدخول إلى فلسطين فكيف لها أن تدخل اسرائيل؟ وحتى لو كان لدي ختم من اسرائيل، هل يعني أنني لا أستطيع أن أدخل ميدان التحرير؟
وفي مرة ثانية أخرجت فتاة من فتيات المدخل عند القصر العيني العطر من حقيبتي ورشته على يدي وقالت : شمي. فقلت لها: شمي أنت. قالت : لا، شمي أنت. فرفضت وسألتها : هل تظنين أنني سأحمل غازاً ساماً في حقيبتي أم ماذا؟
هناك ٣ فئات من الأشخاص في ميدان التحرير حسب ملاحظاتي طوال الأسبوع. الفئة الأولى هي فئة المطالبين بأدنى الحقوق الاجتماعية وغالبيتهم من العاطلين عن العمل وهم الفئة التي تهتف دائماً وتملأ الميدان حركة
الفئة الثانية هي فئة المثقفين وأغلبهم من الشباب ولديهم هواتفهم الذكية وحواسيبهم المحمولة، يعتصمون في الخيام ويكتبون، يفكرون، يتناقشون. وهم المطالبون بالحقوق السياسية
والفئة الثالثة هي الفئة التي لا أعرف ما هي. وهي الفئة التي تثير لدي الشكوك وتخيفني أحياناً
إن جهل الفتاة عند بوابة القصر العيني هو ما يجعلها تتصرف معي بطريقة تذكرني بتعامل أي أمن عربي معي في أي مطار، يبحث في جواز سفري عن الأختام. أنا أتفهمها وأتفهم مخاوفها، فهي في النهاية تسعى لضمان أمن الموجودين ولعلها تخشى من دخول جاسوس ما مع أنني أقول صراحة إنني مراسلة لقناة الجزيرة وأخرج هويتي الصحفية. فكيف تعامل يا ترى غير المصريين ممن ليسوا صحفيين من مؤسسة معروفة؟
لقد رأيت بأم عيني في أمريكا اللاتينية كيف يمكن للثوريين أن ينحرفوا عن مسارهم لمجرد تساهل بمبدأ اليوم وارتكاب خطأ أو زلة غداً، باسم أشياء كثيرة مثل المؤامرات والعدو الأكبر وغيرهما تهدد ثورتهم
وقد أثير جدل واسع قبل يومين في الميدان وخارجه حول تعامل المعتصمين مع “البلطجية” واللصوص لأنه تم التعامل معهم بإهانة – وحسب وصف البعض – كما تتعامل الداخلية مع المواطنين
ميدان التحرير هو مصر مصغرة لا بد لمشاكل مصر أن تظهر فيه. لا بد أن يخطئ أحياناً ويتعلم من أخطائه. لكن بما أنه يتحمل مسؤولية شعب بأكمله ينتمي أغلبه إلى ما يعرف هنا بحزب الكنبة، أي الأغلبية الصامتة، فعليه أن يكون على قدر عال من المسؤولية وألا يترك أي ثغرات يمكن أن تسيء إلى الثورة وتخدم الثورة المضادة
لا يختلف اثنان على إنجازات الحراك في التحرير فالحكومة والمجلس العسكري أبديا استجابة ما لجزء من المطالب، وهو ما يجعل النشطاء يدركون بأن الثورة لا تحقق مطالبها إلا إذا بقيت حية ذات صوت وصدى على يد الآلاف أو عشرات الآلاف أو مئات الآلاف
لكن يجب أن يعوا إلى أن الكثير من المصريين ملوا مسألة الاعتصام والتظاهر اعتقاداً منهم أن التظاهر هو ما يؤخر عودة البلاد إلى مجراها الطبيعي على المستوى الإنتاجي والاقتصادي. هم لا يدركون أن ما ملوا منه هو الحالة الراهنة التي لا هي عهد مبارك ولا هي عهد جديد
كما أن عامة المصريين حتى الآن لا يفرقون كما يفعل بعض النشطاء بين المجلس العسكري والجيش. الجيش يتمتع بقدسية كبرى في أذهان المصريين، لذا فإن المواطن العادي يخشى أي مواجهة مع الجيش خاصة أنه يجهل تماماً البديل عن الجيش ويخشى الفراغ. بينما توصلت فئة من النشطاء إلى قناعة بأن المجلس العسكري ليس سوى استمرار لعهد مبارك وأن النظام البائد لم يزل
هي أيام صعبة في مصر الثورة تنذر بأن المشوار طويل جداً وأن إسقاط مبارك كان فقط البداية لمسيرة مفتوحة نحو مستقبل غير معروف المعالم … بعد