11 مارس 2013
لم تكن الاحتجاجات على خلفية الحكم في قضية مذبحة بورسعيد مفاجئة، فكل والظروف التى أحاطت بالحكم كانت تنبأ بأن الحكم – أيا كان – سيسبب حالة من السخط والغضب العارمة، فمذبحة بورسعيد كغيرها من المذابح التى ارتكبت فى حق المصريين منذ الثورة والتى راح ضحيتها المئات ولم يتم الكشف عن حقيقة أمرها وملابساتها ولا عن الجناة الحقيقيين فيها. فهذه القضايا لم يكن يمكن التعامل معها بجدية وشفافية إلا فى مشهد سياسى آخر تشكله إرادة سياسة ثورية ومنحازة للشعب، تعمل بشجاعة على تصفية الدولة الأمنية ومحاكمة مجرميها وعصابتها فى ظل توافق سياسى ووطني وشعبي قادر على محاصرة هذه الدولة وتفكيكها، إلا أن السلطة الاخوانية التى وصلت إلى سدة الحكم بعد الثورة وبعد مرحلة انتقالية مريرة لم تتوقف خلالها المذابح، قد اختارت مبكرا السير فى الاتجاه الآخر، فاختارت منذ اللحظة الأولى صراعات التمكين على حساب مطالب الشعب وحقوق شهدائه، بل أن صراعات التمكين تلك قد ورطتها بدورها فى عدة مذابح، الأمر الذى جعل من أجهزة الأمن الوحشية تلك النصير الوحيد للسلطة فدعمت توحشه وممارساته القمعية من تعذيب وسحل وقتل، وصارت الشهور التي احتل فيها الإخوان رأس السلطة في مصر فترة ازمة سياسة عميقة واستقطاب حاد وبؤر للتوتر وحالة احباط حادة فى كل مكان لن تطفئها أية أحكام.
وفي هذا السياق، يأتي حكم المحكمة في قضية بورسعيد مخيبا للآمال في عدالة حقيقية لا تقوم على مجرد تلبية رغبة الانتقام وتقديم بعض الصغار كأكباش فداء. فقد رأينا أحكام بالإعدام بحق أعداد كبيرة من المدنيين وأحكام بعضها متناقض وبعضها متراخ جدا بحق القيادات الأمنية ومنتظر أن تخفف أكثر في المرحلة التالية من التقاضي، مثلما هو الحال مع كل محاكمات القيادات الأمنية بسبب قتل المصريين منذ الثورة. وهذا أمر متوقع حذرنا منه وحذرت منه كل القوى الديمقراطية والجماعات الحقوقية في ظل غياب مشروع متكامل للعدالة الانتقالية قادر على التعامل مع حالات القتل التي وقعت منذ الثورة، هذا الغياب الذي لا يمكن أن يكون قد تم بدون وعي من السلطة الاخوانية المصرة على التحالف مع أجهزة الدولة الأمنية واستخدامها كما هي ومع العناصر المستعدة للتعاون معها من أتباع النظام السابق، حتى أصبحت شعارات التطهير والقصاص وإعادة الهيكلة مجرد شعارات زائفة تطرحها لسلطة الإخوانية فقط في لحظات خاصة لكي تحقق أهدافها في التمكين من مفاصل الدولة الاستبدادية كما هي.
إن السعي المسعور نحو التمكين على حساب الثورة وأهدافها جعل من السلطة الإخوانية طرفا فى كل الصراعات، فدخلت هذه السلطة فى اشكال من انتهاك القانون والتحريض على العنف وممارسته فشرعنته، كما أنها مسئولة عن حالة الانسداد السياسي التى جعلت من الاحتجاج العنيف اليائس خيار قطاع واسع من الجماهير فى التعامل مع هذه السلطة و انتزاع المطالب. إن هذا ثمن الانقلاب على الثورة ومطالبها ومشروعها، ثمن التعامل باستخفاف مع أزمة الوطن، ثمن الحفاظ على دولة الاستبداد والقمع ، لا حلول أمنية لهذه الازمة ستجدي و لا مسكنات ستنفع ، لا بديل سوى التحيز للثورة ومشروعها: لا بديل سوى الشروع فى تصفية دولة “العصابات الأمنية” والعمل على تأسيس دولة العدل والحرية. ولقد برهنت الشهور السابقة بأن هذا لن يقوم به الإخوان المسلمون بأي حال من الأحوال فهم جزء لا يجزأ من هذه الدولة، وتحقيقه مرهون بالقوى الديمقراطية الثورية وتضحياتها وتماسكها.