سعاد عبد الرسول
الأذاعة الهولندية
النيل الممتد من جنوب مصر لشمالها هو النزهة المتاحة للقطاع الاكبر من المصريين بعيدا عن غلاء الاماكن التى تشترط حد ادنى للدفع والتى غالبا ما تكون اكثر بكثير من طاقة حبيبين يتعثرا فى احلامهم لضيق الحال وفى مشهد مألوف لكل المصريين ,مشهد يتحدى فيه الشباب كل المارة وكل الاعراف التى ارساها المجتمع من رفض وقهر وكبت. يقف الشبان والبنات على ابعاد متقاربة على الكورنيش والكبارى يولون ظهورهم للعالم وينسجون تصوراتهم على صفحة النيل الممتده بامتداد احلامهم .
لا يعرفون كيف يكون الحب فى فنادق الخمس نجوم والعوامات السياحية التى لا يشاهدون منها سوى اضوائها شباب الكورنيش تبدا اعمارهم من 15 سنه فيما فوق , تجمعهم كلهم رغبة واحدة وهى اقتناص اللحظة الشاعرية ,يتعلقون بها ويحلقون غير مباليين بما سوف تفعله بهم الايام, فالشاب الذى لايملك ثمن الوردة التى سيهديها لحبيبته يحلم فى هذه اللحظة انه سيجوب بها العالم وفى لحظة اعتقادهما ان العالم فى غفلة منهما يختلسا نظرة او لمسة تكفيهما تماما وتأكد لهما ان لاشىء مهم حتى انهم يتحملوا إلحاح بائعى الورد والحلوى والترمس واللب.
ولان المجتمع يعانى من تناقضات مدهشة فيضيقون عليهم بشتى الاساليب يسكب منسقوا الحدائق المازوت على القواعد ويغرقوا الحدائق المواجهة للنيل التى يتاح لحبيبين ان يجلسا عليها انكارا للحب وللمحبيين الحالمين وكأنهم يصرخون بوجوههم انه لا مكان للحب هنا يا ابناء العاهرات!
اما عن العساكر القائمين على حماية الكورنيش من المفترض طبعا, تحولوا لفتوات بطريقة ما يقترب منك العسكرى ويقرأ ملامحك فإن كانت توحى بأنك خائف يتفنن فى قهرك وتعذيبك خاصة ان لم تفهم غرضه منك وان كنت واعيا فتطبق فى يده عشرة جنيهات ليتركك بعد ان افسد عليك اللحظة المثير للتعجب ان امتداد الخط الاخلاقى على استقامته يصلنا الى ان سائق التاكسى ومنسق الحدائق وبائع الحلوى والعسكرى هو من كان يقف بالامس يحلم شابك ذراعه بذراع حبيبته !
اذن الناس هم الذين يجرمون ابنائهم جلدا لذواتهم
.
الحب اصبح خطيئة يعاقب عليها المجتمع حتى وان كانت كل مظاهره وقفة على الكورنيش ,مجتمع يجرم ابنائه فقط لانهم احبوا واحتموا بالنيل ..اتسآل لماذا الحب فى بلدى خطيئة حتى ان كان تحت الشمس ولماذا تتحول وقفة على النيل ظاهرة تستحق المواجهة والتحجيم.
نحن نخجل ان نقول اننا نحب ولا نخجل ان نقول اننا نكره نحن حقا شيء مخجل