بمرور أيام على وفاة طالبة كلية الطب البيطري بجامعة العريش نيرة الزغبي والارتباك في وجود شبهة جنائية في وفاتها على خلفية تعرّضها لابتزاز إلكتروني، ظهرت حملة منظمة على منصة إكس (تويتر سابقًا) باستخدام هاشتاج #زملاء_نيرة_يكشفون_حقيقتها، حيث تعتمد على تشويه الضحية نيرة وتقديم سردية موازية للأخبار المتداولة ومفادها هو إدانة الضحية وتشويهها لدفع الاتهام عن زميلتها، وحسب ما تبين فإنها مجموعة من الحسابات المزيفة والتي يتم استخدامها في حملات لأغراض مختلفة. وهو ما يعود بنا إلى واقعة الطالبة نيرة أشرف، حيث ظهرت حملة بعد مقتل نيرة بأسبوعين بهاشتاج محمد عادل #ضحية_مش_مجرم، وتبعت هذه الحملة مسالك مختلفة، ما بين تشويه نيرة وأنها قامت باستغلال القاتل محمد عادل المتفوق دراسيًا وأوهمته وهو ما دفعه في نهاية المطاف إلى قتلها، وبين التشكيك في قرارات المحكمة ووجود متهمين آخرين في القضية، بجانب استجداء التعاطف مع والدته، وتبع ذلك حملات أخرى منها المطالبة بقبول أهل نيرة أشرف دفع الدية عن القاتل محمد عادل.
ما بين هاتين الواقعتين هناك حوادث مختلفة ما بين قتل الفتيات على خلفية رفضهن لعروض ارتباط من قبل الجناة، أو انتحار فتيات على خلفية ابتزاز إلكتروني وتلفيق صور للبعض منهن، وخلال ذلك نجد إما حملات منظمة ومدفوعة مثل ما سبق الإشارة له، أو منشورات تحمل خطابات كراهية وتحريض ضد الضحايا، بينما لا نجد أي تحركًا من قبل النيابة العامة على الرغم من تجريم قانون العقوبات (المادة 302) لأفعال السب والقذف، وتجريم الدستور (المادة 53) لخطابات الكراهية بأنها جريمة يعاقب عليها القانون، بصرف النظر عن أن البرلمان لم يصدر قانونًا بعد في هذه المسألة.
في سياق آخر ومن المفارقة فإننا أمام ما نرصده من تقاعس أجهزة العدالة الجنائية في حماية النساء وأرواحهن، نجد تحركات النيابة العامة على نطاق واسع في ملاحقة الفتيات على موقع تيك توك، بدءًا من حنين حسام ومودة الأدهم في أبريل 2020، وتوالت بعدها حملات ملاحقة والقبض على عدد من الفتيات (شريفة رفعت وابنتها نورا هشام، منار سامي، موكا حجازي، وغيرهن)، وصولًا إلى “سوزي الأردنية” والتي من ضمن الاتهامات الموجهة إليها هي سب وقذف أبيها الذي لم يتخذ أي إجراء قانوني بحق ابنته من الأساس. وتأتي هذه التحركات في ضوء ما نص عليه قانون 175 لسنة 2018، بشأن التعدي على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري واستخدام هذا النص في معاقبة النساء بالأساس وملاحقتهن.
تطرح هذه الوقائع وغيرها سؤالًا حول مدى ثقة النساء في فعالية القانون المصري، كذلك إلى أي حد تظهر أجهزة العدالة الجنائية في مصر جديتها في تقديم ضمانات لحمايتهن من تعقب الجناة ومن الوصم المجتمعي والعنف الأسري، بقدر الجهد ذاته الذي تبذله في ملاحقة الفتيات على موقع التيك توك والقبض عليهن. فتكون المسارات لدى غالبية النساء معروفة سلفًا، ما بين إقدام الفتيات إلى الانتحار (بسنت خالد، هايدي شحاتة.. وغيرهن)، أو التوجه إلى أقسام الشرطة والتبليغ لطلب الحماية الأمنية واتخاذ إجراء جدي بملاحقة المتهمين وضمان عدم التعرض (نيرة أشرف، نورهان حسين) فينتهي بها الأمر مقتولة من قبل الجاني ذاته.