فى الستينيات من القرن الماضى صدر كتابى «المرأة والجنس» يتضمن حقائق طبية تؤكد أن الشرف لا علاقة له بالعذرية.
كانت كلمة «العذرية» من المحرمات فى مجال الطب والعلم، فما بال أن تنشر على الناس فى كتاب بلغة عربية بسيطة، يفهمها الأطفال من البنات والأولاد فى المدارس الابتدائية. وصدرت الأوامر من السلطة الحاكمة حينئذ بإعدام الكتاب، لكنه ظل حياً تقرؤه الأجيال المصرية والعربية، جيلاً بعد جيل، خمسة أجيال.
كم أم وأب فى مصر وخارجها قالا لى: كتابك أنقذ ابنتنا من القتل. تمت اليوم إدانة جريمة فحوص العذرية وإيقافها، يرجع الفضل إلى النساء المشاركات فى الثورة منذ يناير ٢٠١١، وشجاعة «سميرة إبراهيم» وأبيها، وكم من أب يسكت (خوفاً من الفضيحة) إن تعرضت ابنته لما يمس العذرية، أو يقتلها وإن كانت المجنى عليها، جرائم الشرف وفحوص العذرية كانت تجرى للبنات بواسطة رجال العائلة فى العصر الطبقى الأبوى منذ قرون، أو بواسطة رجال البوليس والسجون، لا يعلم عنها أحد إلا الفتاة الضحية، تشعر بالعار فتسكت، ويسكت أهلها خوفاً من الفضيحة، كلمة «العذرية» خرجت إلى العلن والنور بفضل الثورة المصرية، سقطت عنها هالة التقديس والتحريم وشبح الدنس والعار.
نجحت الثورة فى فضح القانون الأخلاقى الفاسد، كما فضحت الفساد السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
درست علوم الطب لسوء حظى، طاردتنى الحكومات المصرية خمسة عقود، عرفت مضار عمليات الختان للبنت والولد، عرفت أن ثلاثين فى المائة من البنات يولدن دون عذرية بيولوجية، أو بأنواع مختلفة من غشاء البكارة لا تنزف ليلة الزفاف، كنت ألاحظ الداية تغرق البشكير بدم دجاجة بدلاً من دم العروس، وأسمع الهمس بين النسوة الكبار.. عرفت أن العالم كاذب مزدوج الوجه، فى القرية والمدينة والمدرسة والبيت والشارع، عالم قبيح يظلم الأطفال خاصة البنات، خاصة الفقيرات والخادمات، والمولودات دون أب أو أم.
منذ العاشرة من عمرى حلمت بالثورة لتغيير العالم القبيح، كانت البنت من عمرى تُساق بالقوة والضرب إلى عريس من عمر أبيها وجدها، لولا صمود أمى الثائرة لتزوجت فى العاشرة من عمرى رجلا فظا يملك قطعة أرض مزروعة «تين برشومى»، ومنزلاً من دورين يشبه دوار العمدة، كدت أتزوجه لأشبع من التين البرشومى اللذيذ، لولا أمى وحلم طفولتى.
كنت أرى نفسى محلقة فى السماء، أجتاز البحار والأنهار إلى عالم ليس فيه ظلم، ولا تزويج الأطفال البنات بالضرب، ولا طفلة تذبح لأنها لم تنزف ليلة الزفاف، ولا رجال قلوبهم فظة لهم شوارب ودقون كثيفة الشعر، ولا عائلة تفضل الولد على البنت، ولا مدرسة تفضل التلميذة الغنية على التلميذة الفقيرة، ولا عمدة ينهب الفلاحين ويضربهم بالكرباج، ولا ملك ولا إنجليز يسرقون محاصيل القطن كما يقول أبى وجدتى الفلاحة.
كانت كلمة «ثورة» تعنى «الكفر»، ننشد فى المدرسة هذه الكلمات الثلاث «الله.. الوطن.. الملك»، كانت الثورة تعنى الكفر بالثلاثة معا، فى وقت واحد دون فصل أحدهم عن الآخر.
وكا
ن الأب يملك السلطة المطلقة فى القان
ون، يبيع ابنته الطفلة لرجل عجوز نظي
ر مبلغ من المال يسمونه «المهر»، يطلق زوجته التى خدمته نصف قرن ليتزوج طفلة فى العاشرة، يجمع بين أربع زوجات فى وقت واحد، يطلق منهن من يشاء، يتزوج ويطلق دون سبب إلا نزوته ومصلحته الخاصة دو
ن اعتبار لمصلحة الأسرة المقدسة؟
فى المدرسة كتبت قصة من الخيال بعنوان «مذكرات طفلة اسمها سعاد»، عاقبنى المدرس بصفر، وتقرير سيئ يتهم فيه «خيالى» بالجنون والكفر والشطط والتطرف.
الكلمات الأربع (الجنون، الكفر، الشطط، التطرف) تصف بها الحكومات المصرية أى خيال إبداعى يثور ضد الظلم والإهانة.. الخيال وأحلامنا كانت تعاقب، عرفت السجن والمنفى وتشويه السمعة وقضايا الحسبة بسبب الخيال وحلم الطفولة.