عندما قررت استعمال تعبير “ستات مصر الجدعان”، كنت أتمنى لو أستطيع أن أكتب “ستات مصر الجدعانات”؛ ذلك أن لغة الخطاب التي نستعملها تحمل دلالات تعكس إلى حد كبير إدراك من يستعملها؛ لذلك، كنت أريد إضفاء سمة التأنيث على هذه الصفة التي غالبا ما تقترن في أذهان الناس بالرجال؛ وحينما تستعمل للإشارة إلى النساء، فإنما كثيرا ما تقال في سياق أن هذه السيدة أو تلك أجدع من أي رجل؛ وهو ما يحتوي على الإيحاء الضمني بأن الجدعنة من شيم الرجال، مع بعض الاستثناءات هنا أو هناك. ولكنني، للأسف، راجعت نفسي، إذ أن لا أحد سيفهم تعبير “الجدعانات”، كما أنه قد يثير اللبس فيما أقصد به، وقد يفهمه البعض على أنه شكل من أشكال التهكم من جانبي؛ وهو بالطبع ليس كذلك. غير أن أهمية تغيير لغة الخطاب التي نستعملها، مسألة طويلة تحتاج إلى حديث آخر، وهي مما لا شك فيه من المسائل الشائكة المثيرة للجدل.
من كنت أقصدهن بتعبير “ستات مصر الجدعان”؟ الواقع أن المسئولات عن إخراج الأجندة السنوية للمنظمة التي أشرف بالانتماء إليها، كن قد قررن تكريسها هذا العام للوجوه النسائية التي بدأ يتصاعد وجودها في الحركات الاحتجاجية المتنوعة على امتداد مصر خلال العام الماضي، أو أكثر قليلا. وهن نساء خرجن من بين صفوف هذا الشعب الغاضب، المظلوم، المثقل بالهموم، الصابر إلى أقصى الحدود وصولا إلى نقطة عدم الاحتمال. رأينا الدور البارز الذي قامت به نساء العريش في مواجهة أشكال البطش التي عمت بالمنطقة إبان أحداث طابا، التقينا بهن في العريش، واستمعنا إلى قصصهن محاصرات نحن وهن بفلول أمنية، ورأينا في وقت متزامن ما حل بنساء سراندو اللاتي كانت جريمتهن الوحيدة هي الدفاع عن قطعة الأرض الصغيرة؛ هن الفلاحات المصريات اللاتي يقضين نهارهن كدّا دون أن يكون هذا الجهد المضني مرئيا لا على الصعيد المجتمعي ولا في الإحصائيات الرسمية، ولا يحظى بأي حماية قانونية. ثم جاءت بعد ذلك سلسلة الاحتجاجات التي اجتاحت مصر وملأ مشهدها صور النساء وتصميمهن على الاستمرار.
تساءلت – وما زلت – عن الآليات التي تجعل النساء يقررن بطريقة تلقائية الخروج عن الأدوار المرسومة لهن اجتماعيا، واللاتي كثيرا ما يرتضين بها ربما للحصول على القبول الاجتماعي، أو الإذعان ببساطة للوضع القائم في مجتمع يتميز بنزعة ذكورية متأصلة. وهل من طريقة لمعرفة تلك الميكانيزمات الداخلية؟ وهل هي مجرد داخلية، أم أن هناك تغيير عام يفرض على الجميع المشاركة؟ تساؤلات كثيرة ليس لدي إجابات جاهزة عليها؛ ولكن، حينما أنظر حولي، وخاصة إلى الشباب من الجنسين، أراني متأكدة أن هناك شيء جديد لا يمكن الفكاك منه، رغم كل المحاولات الظلامية للرجوع بعجلة التاريخ إلى الوراء، ورغم هيمنة الثقافة الأبوية التي لا تقل قمعا عن الفكر المتخلف. فعندما التحمنا بطريقة أوثق بالنساء اللاتي قدن الاحتجاجات، وجدنا إلى جوارهن رجال يقدرون أدوارهن الجديدة، ويشجعونها؛ وهو في حد ذاته أمر يستحق التوقف عنده والاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يوفرها لمزيد من التضمين والتمكين للنساء. وتبقى هنا الحاجة إلى السعي لبلورة أشكال أكثر تنظيما لحركة هؤلاء النساء، وتطوير أنماط من التضامن فيما بينهن تزيدهن قوة وتأثيرا سواء في المجال العام أو الخاص.
نولة درويش
من نشطاء المجتمع المدني
البديل 1072008