بقلم: تهاني لاشين
لم أكن اتذكر معظم الأشياء وأنا صغيرة. تظل بعض التفاصيل التي أتعلق بها حتى الآن ولا أستطيع محوها. أتذكر أخي المولود الجديد ونظرات الجيران أنه أسود مني أنا وأختي، والمعايرة لوالدتي أنه أسود.
أتذكر أنه طوال سنين عمري، جيراني يلقبوني بدلع توتا -واللي كنت بحبه جدا- إلا أني اكتشفت بعد مرور السنوات أن سبب تسميته يرجع إلى التوت الأسود، وأن الجيران أسموني بهذا الاسم لأني أشبه التوت الأسود عشان طعمه حلو. أتذكر محاولاتي المستميتة لتفتيح لون بشرتي في وقت المراهقة من أول “فير آند لافلي” إلى الخلطات السحرية، حتي يعجب بي الناس وحتى لا أنادى بـ”يا سودة” أو “حمادة” (نسبة إلى المطربة جواهر).
أتذكر عند ذهابنا إلى المصايف كلام الأصدقاء (إنتي بتنزلي البحر ليه؟ إنتي ناقصة سواد؟!) لم أكن -وقتها- أعلم شيئا عن الصن بلوك أو ما شابه.. لم أكن أهتم بنزول البحر، كنت منطوية جدا وخجولة، ولكن عند دخول الجامعة بدأت الأمور تتغير، تعرفت على الأسر النوبية وعلى أصدقاء يحبون ميسي أيلوت وبيانسي، بدأت ألاحظ أنه يبدو أن مقاييس الجمال في العالم قد تغيرت.. أصبحت السيدات تذهبن لتغميق لون بشرتهن، لكن الأصعب بالنسبة لي -وقتها- أنه لم تمارس ضدي عنصرية قدر ما مورست من الأسر النوبية!! كانوا يعتبروني جوربتية (الجوربتية كلمة نوبية تطلق على كل غريب عن أبناء النوبة)، لأن والدتي جعفرية وأبي من العرب!
وقتها، شعرت أني غريبة.. اعتقد وقتها أني كنت اجتهد في الدراسة أكثر حتى أثير اهتمام من هم حولي.. أصبحت أسد أذني عن التحرش اللفظي العنصري. وقتها، سمعت إحدى قريباتي تبحث عن عروسة لابنها، فقالوا لها: لماذا لا يتزوج من قريباته؟ قالت إنه يريد عروسة بيضاء ممشوقة القوام. فردت عليها قريبتي: (هو أسود.. لِم لا يتزوج من أقاربه؟). قالت إنهم يريدون إنجاب أنواع جديدة.
هذا فعلا ما قيل!
كان حلمي أن أصبح مذيعة أخبار، لكني صدمت وقتها أن لا مكان للسمر أو السود إلا بالقناة الثامنة.
بعد ثورة ٢٥ يناير، أصبح الوضع مختلفا، لم يهتم أحد ممن عرفتهم من بعد الثورة بشكلي أو بلوني.. أكيد في بعض الأحيان أسمع تحرشات جنسية لها علاقة بالنوع وتفضيل السود، لكن في النهاية أيضا كنت أسد أذني، وطوال الوقت كنت أشعر أنه أكيد ثورة يناير سيكون لها تأثير قوي في التغيير. لكن ما صدمت به أن معظم أبناء يناير ينفون وجود عنصرية في مصر أو وجود الممارسات العنصرية.
اتذكر عند ولادة أول حفيده في عائلتنا، تضايقت جدا أنها بيضاء! خفت على أمها وعلي. فقد يظن الناس أننا “بيبي سيتر” أو خاطفينها، لأن طبعا المصريين طول الوقت مقتنعين إن المصريين بيض البشرة وشعرهم أصفر!
شعرت بالفخر عند اختيار وجهي لصفحة الابتسامة الأفريقية، وذلك برغم أن بعض الناس تنظر إليّ وتسأل: إنتِ مصرية؟!
اتذكر وصف صديق لى أن لونى حلو، ولست مثل السود العبيد!
مرة سألنى شخص: لماذا أنتِ أهلاوية ولست زملكاوية؟! أهل أسوان كلهم زملكاوية لأنهم كانوا بيشتغلوا خدم وبوابين عند الأمراء والملوك، لذلك أصبحوا زملكاوية! في بعض الأحيان أعتقد أنى اهلاوية نكاية فى هذا الأمر!
اتذكر صدمة الناس عندما كتبت على الفيس بوك أن جدي كان طباخا وأنى فخورة به.. بعض الناس أرسلوا لي: (امسحى يا تهانى.. عيب)!
لا اعلم ما هو العيب أن جدي كان طباخا عظيما عند الملوك! أم العيب أنى نشرت هذا؟!
لم أكن أعلم أن سر حبي لبلاد المغرب، معاملتهم للسود أو لذوي الأصول الأفريقية مثل المغربي، أو التعايش بين الأسود والأبيض عادي. إنهم من بلاد واحدة.. لا توجد مهانة للسود أو للاجئين الأفارقه مثلما يحدث في مصر من تحقير.
بعض الأصدقاء عندما اتحدث في هذه الأمور يخبروني بمدى تفاهة الأمر، أو أن لوني ليس أسود، أو أن لوني حلو!
شعرت بالرعب عندما سمعت من إحدى الصديقات عند وصولها إلى لبنان بمدى التعامل السئ معها لأنها سوداء! حتى إنني عندما علمت بوجوب سفري للعمل تكلمت مع أصدقاء من لبنان: هل سوف أعامل معاملة سيئة؟َ! وكان ردهم: بالطبع لا.. أنتِ لونك لا يشبهه اللاجئين! وكأن اللاجئ شتيمة!!
صدمت عندما سمعت أن أخي المراهق الصغير ضرب زميله في المدرسة لأنه وصفه بالأسود.
لم اعلم هل أعنفه أم اصمت لأنه انتقم لنفسه ولي؟!
أعتقد أني بذلت مجهودا قويا حتى امتلك الثقة بنفسي، فأنا سوداء وأحب شكلي، أو يعني لازم أحب نفسي زي ما أنا، لكن ماذا فعلنا حتى نولد في مثل هذه البلاد؟!