إنّ إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة غالباً ما يجعلها عرضة لهزّات وتكون أقل تماسكاً، خاصة إن عجزت أطرافها عن التكيّف مع الواقع الجديد ولم تقدِّم بعض الأطراف في الأسرة تنازلات لبعضها بعضاً أو لم تصل إلى توافقات.
وإن أضفنا إلى ذلك كله ما يصاحب رحلة اللجوء ولم الشمل من صعوبات وتحوّلات نفسية، وكذلك العلاقة الاعتمادية التي تنطوي عليها حياة اللاجئين؛ فإنّ ذلك يؤكد أنّ الانعكاسات قد تكون جسيمة أحياناً. على أنّ بعض الانعكاسات يكون في المستوى المعنوي والنفسي دون أن تظهر أعراضه، وبعضها يتجلّى عبر خلافات أسرية وحالات انفصال أو أزمات نفسية واضطرابات سلوكية ظاهرة الأثر.
وما ينبغي ملاحظته في هذا الصدد أنّ الأسرة اللاجئة في بيئتها الجديدة تفتقد غالباً شبكة الدعم والأمان الاجتماعي التقليدية التي كانت تستند إليها في بيئة المنشأ، فتكون وطأة الصعوبات عليها أثقل، خاصة على الزوجة أو الأم أو الأنثى عموما، ويُضاف إليها أنّ بعض خيارات الدعم المتاحة في البيئة الجديدة، مثل بعض المؤسسات والهيئات والجمعيات المختصة، تنطلق من مقاربة مختلفة في التعامل مع التحديات والصعوبات والخلافات الأسرية، وهي مقاربة تميل إلى تفضيل ما تعدّها امتيازات للمرأة على حماية الأسرة، فيؤدي طلب الدعم والمشورة من تلك الجهات إلى تعزيز خيار تفكيك الأسرة، أو تفاقم الانفصام العاطفي داخلها.
سيّان.. خاضت المرأة رحلة الموت وحدها، ووصلت بلاد اللجوء وتكبدت عناء لَمّ الشمل، أم بقيت في بلادها تأكلُ الوقت أسًى وانتظارًا، وتحمَّل عبء المسئولية في بلدٍ ما ردحًا من الزمن وحدها، في كلا الحالتين ترتد الانعكاسات سلبًا على نفسها وسلوكها ومحيطها من أبناء أو مُعالين، لا سيما أنها تختبر ما لم تعهده قبلًا من حمل عظيم وحيدة أمام تأرجح إمكانية الاجتماع مرة أخرى.
كنا قد تحدثنا في تقريرٍ سابقٍ عن مدن بلا رجال وعن تغيُّر النمطِ الأسري التقليدي السائد؛ حيث تقوم المرأة بقيادة الأسرة، وهذا النموذج يتكرر؛ لكن مع اختلافٍ في البيئة الجغرافيّة الناظمة له؛ حيث قد تصل الزوجة مهاجرة إلى بلد اللجوء وزوجها وأولادها جميعا أو قسم منهم في بلد آخر ينتظرون منها أن تلمّ شملهم وتجمع شعثهم، على أنَّه قد سُجلت حالات امتنعت فيها المرأة عن لَمِّ شمل زوجها؛ حسب ما أفادتنا الأستاذة سامية العامري المسئولة عن فريق عمل اجتماعي في السويد؛ معللة ذلك بمشاكل سابقة بين الزوجين، أو بانفتاح مفاجئ على بلد اللجوء، انفتاح يهزّ الثابت من القيم في بعض أشكاله.
ثم إنَّ في رحلة اللجوء التي تقودها امرأة ينبغي الإقرار بجسامة الأعباء والأحمال التي تقع على عاتقها في حال الانتظار هذه، كما أنَّها تتطلَّب تقديراً عالياً من الزوج والأبناء، ومسئولية فائقة من المرأة ذاتها بالطبع، كما يقول الأستاذ حسام شاكر، مضيفا بأنّ الحالة ليست سواء في أوروبا؛ فالتجارب متعددة بتعداد البلاد، ولدينا نجاحات وتضحيات جديرة بالاهتمام؛ ولكن أيضاً لدينا وفرةٌ من مظاهر ضعف التكيّف؛ ومنها مثلاً حالات التفكك الأُسَري، وهو منحى متزايد عالمياً وعربياً ولكنه الأكثر احتمالاً في حالات الهجرة واللجوء، خصوصا أنّ طول فترة لم الشمل تمنح شعوراً بالجاهزية لاستقلال المرأة عن الرجل، علاوة على أنّ هذا لن يمسّ بالموارد المادية للأسرة حال وقوعه؛ لأنّ الزوج قد لا يكون هو المعيل أساساً وفق علاقة اللجوء الاعتمادية.
وهذا وحده كان كفيلًا بظهور سلوكيات جديدة من النساء لم يعتدن عليها سابقًا، كما أنهنَّ في الجانب الثقافي والاجتماعي والمسلكي، يستشعرن تحدياتٍ خاصة، من خلال النظرة إليهن بصفتهن مسلمات في بيئة تتخللها حمولة ثقافية سلبية نحوهنّ، خصوصًا في حالة الالتزام بتغطية الشعر والالتزام باللباس الشرعيّ الذي يعطيهنّ صورة خاصة، لا سيما مع التحولات السياسية التي تغذي التيار المتطرف الداعم للعنصرية والكراهية ضد المسلمين عمومًا والمرأة المسلمة المحجبة خصوصًا، كما توافق الأستاذة سامية الأستاذ حسام فيما ذهب اليه.
وللمرأة اللاجئة القادمة من سورية ظروف خاصة، من خلال عيشها وجودياً في بيئة جديدة وتعلّقها وجدانياً ببيئة سابقة هي مسقط رأسها؛ حيث تعيش بقية أسرتها. إنّ هذه الحالة وما يصاحبها من ضغوط معنوية تؤدي إلى مفارقات وبعض مظاهر الازدواجية الشعورية بين “هنا وهناك” ومع الوقت يترسّخ الانغماس في الواقع الجديد ويضمحلّ شعور الاغتراب، مع تفاوت منسوب النجاحات التي يمكن إحرازها في هذا الشأن.
ثمة جانب آخر يتعلّق بقدرة المرأة الأم على النهوض بدور التربية الأسرية للأبناء والبنات؛ فالأم التي لا تدرك طبيعة المجتمع الجديد وثقافة البيئة وأدوار رياض الأطفال والمدارس والمناهج التعليمية في الاندماج الاجتماعي، والثقافة المختلفة؛ بل المناقضة أحيانا لما كانت فيه، قد لا تنجح في القيام بالمسئولية التربوية والتوجيهية.
نقلا عن: ميدان