بعد أن مر أكثر من عشر سنوات على دخولنا للألفية الثالثة، إلا أن المرأة المصرية لا تزال غارقة في المعاناة على كل الأصعدة، فلا تزال نظرة المجتمع لها متخلفة، ولا يزال محظور عليها الدخول في عديد المجالات، وكثيرات لم يأخذن حقهن في التعليم أو العيش الكريم، ووسط كل تلك المعاناة تظهر قصة الطبيبة الشابة “لبنى علي” بنت الـ25 عاما التي تؤكد قصتها، حجم الظلام الفكري المنغمس فيه المجتمع.
فلبنى طبيبة مصرية حاولت الدخول في مجال مختلف وأن تتخصص في علاج المسالك البولية والحصول على حقها في التعيين بكلية طب جامعة قناة السويس في هذا المجال، إلا أنها وجدت أمامها مجموعة من المعوقات التي لم تتوقعها، والتي تتلخص جميعها في النظرة ووجهات النظر الشخصية، وكان على رأس تلك المعوقات رفض رئيس القسم تعيينها لرؤيته أنه “عيب تخصص أنثى في جراحات المسالك البولية”.
وحول مؤيد لهذا المنع باعتباره قسم مخصص للأطباء وأن هناك العديد من التخصصات الأخرى المتاحة للسيدات، ومعارض له ومعتبرا أنه احتكار لا مبرر له، وأنه تخلف وتقييد تعسفي للحريات في المجتمع دون النظر للجنس، كان لـ”البديل” هذه الجولة بين أصحاب الآراء المتباينة.
تقول “لبنى” صاحبة المشكلة، إنها انتهت من فترة الإنابة بعد ثلاث سنوات، وكانت من أوائل دفعتها في 2008 وحصلت على تقدير امتيار مع مرتبة الشرف في تخصص جراحة المسالك البولية، ومع ذلك عندما طلبت من إدارة الجامعة تعيينها معيدة بالقسم في شهر يونيه 2013، تم الرفض من رئيس القسم لمجرد كونها فتاة .
وتابعت بسرها للمعاناة التي واجهتها من قبل رئيس القسم الذي حاول “تلفيق” خطأ لها لتحويلها للشئون القانونية لمنع تعيينها، حيث لا يوجد سبب قانوني آخر يمنع التعيين، وتم حفظ التحقيق لعدم وجود أي خطأ اقترفته.
وأضافت أن السبب الوحيد من وجهة نظر رئيس القسم هو أنها فتاة و”عيب” أن تتخصص في هذا المجال، برغم امتلاكها لشعبية كبيرة في المستشفى العام، ولديها كثير من المرضى.
وأكدت أن اختيارها لهذا التخصص جاء عن قناعة أثبتتها تفوقها فيه، بل إنها حصلت على درجة الماجيستير به، والتي تبحث فيها عن “العلاقة بين أمراض الجهاز البولي وتزامن الاضطرابات الجنسية لدى السيدات”، مشيرة إلى أن هذه الأمراض خطيرة ومؤثرة ومع ذلك يواجهها صمتا وخوفا من السيدات اللواتي يرفضن الحديث عنها مع الرجال.
وأضافت بأن تقديمها لشكوى بسبب عدم التعيين أدى لمزيد من المضايقات والتهديدات من رئيس القسم، الذي هددها بالسقوط في الجزء الثاني من رسالتها.
أما عن موقف المجلس القومي للمرأة قالت الدكتورة “سوسن أحمد” مقرر فرع المجلس القومي للمرأة بالإسماعيلية، إنه تم إرسال خطابا إلى وزير التعليم العالي د. حسام عيسى يطالبه ببحث عدم تعيين الطبيبة لبنى علي، وحرمانها من حقها في الترقي رغم تفوقها، وقام فرع المجلس بالتواصل مع عميدة كلية الطب جامعة قناة السويس الدكتورة سميه حسني لبحث الشكوى بشكل مباشر.
اضافت أن عميدة الكلية تنتظر نتيجة التحقيقات التي تقوم بها لجنة فض النزاعات، وبناء عليه سيتم اتخاذ قرار، بعيدا عن أي تمييز أو تفرقة في التعيين لكونها فتاة.
الدكتورة “آمنة نصير” أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالإسكندرية قالت، إن الإسلام لا يمنع المرأة من دراسة أي علم، وطالما رغبة هذه الطبيبة في التخصص في جراحة المسالك البولية فلا مانع من ذلك، فالعلم علم، لا يوجد فيه تمييز بين الرجل والمرأة، ولا يجب خلط الأوراق في العلم.
أضافت أن مثل هذه العقليات التي ترفض ترقي الباحثة لا توجد سوى في بلدنا وأشباهها بالمنطقة العربية، برغم أن كل المجالات أصبحت مفتوحة للعمل بين الرجال والنساء، ومن ثم كل ما يقال لهؤلاء الأساتذة الذين يقفون أمام مستقبل هذه الفتاة “نفي العيب عيب”.
بينما ترى “غادة لطفي” استشاري التدريب والبرامج بالمركز المصري لحقوق المرأة، أنه لا يصح في عام 2013 يكون هناك حديثا عن عدم تولي الفتيات لمناصب معينة أو منعها من مهنة ما، فالمرأة تتحرك في كل دول العالم بمنتهي الأريحية في جميع التخصصات، ولا توجد فكرة الوصاية التي تعاني منها المرأة المصرية.
وطالبت بضرورة تواجد مادة في الدستور الجديد تنص على تجريم أي سلوك يتسم بالتمييز أو العنصرية لصالح نوع أو لون أو ديانة أو عرق على حساب الآخر.
وأشارت إلى أن هذه الأفكار الرجعية التي تواجه الطبيبة تحتاج للعمل على مستويين، أحدهما على المدى البعيد عبر الخطاب الموجه من خلال التعليم والثقافة والفن والإعلام والمؤسسات الدينية، والتي يجب أن تكرس لخطاب يحض على المساواة وعدم التمييز، اما فيما قصير المدى فيحتاج لإجراءات تنفيذية في جميع المؤسسات تراقب وتتصدى لأي انتهاك لحقوق المرأة والتمييز ضدها.
وعن الرأي القانوني قالت هبه عادل – مؤسس مبادرة المحاميات المصريات وعضو تنسيقية العمل الجماهيري لنساء مصر – إن من حق هذه الطبيبة التقدم بطعن في القضاء الإداري أمام مجلس الدولة علي القرار السلبي الذي حال بينها وبين التعيين كمعيدة، فالقانون لا يميز في التعيينات بين رجل وامرأة، وسوف يكون الحكم لصالحها وستحصل علي الدرجة العلمية رغم أنف رئيس القسم وأهوائه الشخصية.