ترتدي زيًا موائمًا للحركة، في صعود وهبوط من سيارة نقل، تقودها فريال خليل العدوي، ستينية، مُحملة بالبضائع الثقيلة، لتبعد عن سكنها بالإسكندرية، أمتار ومسافات بعيدة، بعد اختيار لممارسة مهنتها بحياة الأسفلت لـ42عامًا.
“خلتي خدتني صغيرة وتكفلت بتربيتي، وكان عندها حلم بتعليمي، ولكن فشلت في الدراسة جبتلى مدرسين علموني في البيت الكتابة والقراية، وكان جسمي يفوق سني، السبب اللي من خلاله وافقت على عريس كان متقدملي في سن 12عاما، عشان تسعد أمي ولكن بالطبع لازم الزواج ده يتكتب مصيره الفشل”.. بتلك الكلمات فسّرت فريال لـ”الوطن”، سبب اتخاذ قرارها العمل بالقيادة في سن مبكر.
موضحة: “كان بيعاملني بقسوة جامدة جدا وانفصلت عند 16 سنة بعد ما أنجتب طفلا، والقسوة خلتني مفكرش في الجواز أبدا، وقررت أعيش حياتي للشغل”.
تستكمل “أُم خالد”: “عند الـ18عاما فكرت اشتغل واعتمد على نفسي، ولقيت واحدة بتاكسي فقولت أنا هقلدها، وأقبلت على مدرسة المرور وتعلمت السواقة حتى استخرجت رخصة درجة تالتة، واستمريت سنتين ولقيت سواقين نقل كانوا بيتريقوا عليا، فأصريت الحصول على رخصة درجة أولى بعد نجاح في امتحان المرور، وكان صعب جدا جدا ووقتها الظابط عملنى بقسوة لتحمله نتيجة كل اللي هيحصل مني في الشارع كسواقة نقل، وواجهت ده بالثبات وتنفيذ الأوامر”.
حتى تمكن الرضا من ذاتها، مُستلهمةً قواه:”تريقة سواقين النقل أوجدتني في معمل التجربة ومخلتش حاجة مسوقتهاش، ولفيت عدد من المحافظات منها شرم الشيخ وتوشكى وسافرت ليبيا، وتعاملت بالجرارات والكساحات وانطلقت بصدر واسع، وكنت محل إعجاب للناس”.
وتتابع: “لدرجة إنه هناك من الستات طلبوا يشتغلوا فكنت أجاوبهن بمسؤوليات أولادهن، والبيت والشغلانة دي مش عايزة شريك نهائي، وتتطلب ظروف استثنائية لإني أنا بعيش حياتي بره البيت كما لو كنت جواه ولكن مع شغلي”.
لم تشعر الستينية بالخوف لوقت من الزمن:”الإنسان مسير لا مخير وربنا أداني ناس مقوياني مؤمنة بيا وبشغلي وأهميته، وهناك مجموعة تانية عايزين يجبوني حية ويفحتوا ويردموني، واللي بيقولي انتي عايزة ايه تاني”.
تقول: “الشغلانة فيها الخطورة والقسوة أكبر مما حد يتخيل”، فنهار مهنتها وليلها لم يخلا من المواقف الحرجة والصعبة، تروي:”كنت في يوم من الأيام في وضع اغتصاب من زميل واللي نجاني الخالق، كنت على طريق صحراوي في الصعيد، ووقفت بالعربية عشان أصّلي، فجأة لقيت اثنين داخلين عليا، وبسؤالهم أجابتهم بوجود تبّاع معي، رغم إني كنت لوحدي، فخافوا من بشر ومخافوش من الخالق، وشغلي كله ليل”.
رغم ما تتحمله من ثقل المسؤولية، لم تغب تلقائيتها على مظهرها، فتقول:” في شغلي معايا 7 لغات، بتعامل مع مدير الشركة، والبياع، والغفير، والميكانيكي، وكل واحد ليه نبرة صوت وأسلوب وشكل ولكن بتعامل بطبيعتي وتلقائية”.
موضحة: “المرأة وصلت لمكانة عالية جدا ودلوقتي الستات بتفتح بيوت، على عين الجميع البلد دي فيها ناس يخلى الجنيه يضرب الدولار، وتراب مصر دهب وعندنا موارد كتير ومصر قادرة.
نقلا عن :الوطن