جزء من الفصل الأول من كتاب: الحركة النسائية الحديثة: قصة المرأة العربية على أرض مصر” د. إجلال خليفة
مدونة : لست ادري
عاشت المرأة المصرية في مصر الفرعونية حياة اجتماعية راقية فقد كان لها حق اختيار الزوج، وحق الطلاق متى تزوج عليها زوجها مرة ثانية، أو إعطاء ثروته كلها لأولادها منه إذا أصر على الزواج وعدم تطليقها، ومن هنا قلت حالات تعدد الزوجات، وقضت المرأة المصرية على الأسباب المهمة في هدم كيان الأسرة، ويقول “ديودور الصقلى” عن تمتع المرأة المصرية بالحرية الإنسانية بعد زيارته لمصر “بأن العادة في مصر جرت على أن للمرأة بين سواد الناس القوامة على زوجها، ويتعهد الزوج عند إبرام عقد الزواج بأن يكون الزوج مطيعاً لعروسه في جميع الأمور.
وهكذا لا تندهش إذا كانت مصر الفرعونية استطاعت أن تتقدم في جميع الميادين الحضارية والثقافية، ويرجع ذلك في نظري إلى مشاركة المرأة المصرية الفعالة والجادة في الأنشطة العامة والخاصة في الأمة مما أدى إلى الاستقرار والتفكير في العمل الخلاق لتحسين سبل الحياة وتقدمها، وأصبحت بذلك مصر الفرعونية موطناً لكل مقومات الحضارة الإنسانية التي عرفها العالم بعد ذلك.
وظلت المرأة المصرية تقوم بواجبها كاملا في بناء وتقدم أعظم حضارة رأتها دنيا البشر، إلى أن جاء الاحتلال البطلمي إلى مصر سنة 332 ق.م.، وبدأ يعمل على إرساء قواعده ليستمر الاحتلال لمصر إلى ما شاء الله، ولكن مقاومة المصريين للاحتلال كانت قوية هددت وجوده، وكان في مقدمة المقاومين للاحتلال نساء مصر حيث ساعدهن على المساهمة الفعالة في صفوف المقاومة مؤشرا عن قوة الشخصية التي تولدت عن استقلالهن الاقتصادي، هذا الاستقلال الذي أشاد به هيرودوت في ذكر مشاهداته عن مصر حيث قال:
“عجبا لهذه البلاد إن النساء فيها يذهبن إلى الأسواق ويعملن بالتجارة ويعقدن العقود” وظلت الحالة كذلك وأصبح وجود الاحتلال البطلمي لمصر مهدداً بالفناء حتى كانت سنة 222 ق.م.
وعندما تولى حكم مصر الحاكم البطلمي “فيلوباتور” الذي تفتق ذهنه عن إصدار قانون عرف باسمه ويقضى هذا القانون نهائيا على مقاومة المصريين للمستعمرين إذ ينص على حرمان المرأة المصرية من حق التصرف في اقتصادياتها ومالية الأسرة، كما حرم على الرجال طاعة النساء سواء أكانت زوجته أو ابنته أو أمه، كما يقضى هذا القانون بانتساب الأولاد إلى آبائهم بدلا من أمهاتهم كما كان متبعاً، وأخيراً منع هذا القانون النساء من التصرف في شئونهم الخاصة، وأعطى الرجال حق التصرف فى كل ما يتصل بالشئون النسائية في البلاد.
وهكذا نجح هذا الحاكم البطلمي الداهية في معرفة السبب الأساسي لوجود المقاومة ضد حكامهم ألا وهو المشاركة الجدية الفعالة للمرأة المصرية في تصريف أمور الحياة، فإذا قضى على هذه المشاركة، واقتصرت وظيفة المرأة على عملها كأنثى، فإن الحياة بمصر يصيبها التأخر والانحطاط ويصبح احتلالها سهلا وميسوراً للدول الأجنبية التي عملت على استنزاف خيرات البلاد من أجل رخاء دول الاحتلال كما عملت على إشاعة المذلة والهوان في البلاد المصرية وقضى على ازدهارها ومكانتها الحضارية وسمعتها الواسعة في العالم حينذاك والتي كانت لها إبان العصور الفرعونية القديمة، وأصبحت مصر بعد ذلك تابعة لدول أخرى دونها حضارة وتقدم.
بيد أن دخلة شعوب غير عربية في الإسلام بتقاليدها ونظرتها غير العادلة للمرأة أدى إلى تخلف المرأة، لظهور آراء تنادى بتحريم خروج المرأة ومشاركتها الجدية في أمور الحياة العامة، وظهر هذا واضحاً إبان حكم الترك لمصر، إذ منعت المرأة من تلقى العلم وممارسة شئونها الشخصية إلا عن طريق رجل من أسرتها قد يكون دونها في الإدراك العقلي، بل إن بعض الرجال حرموا على النساء قراءة القرآن الكريم أو الاستماع إليه باستثناء سورة النور لما فيها من عقاب وتعذيب للكافرين.
ونسى المسلمون تعاليم الإسلام الصحيحة ووضعوا له تعاليم أخرى تتفق مع مصالحهم الشخصية ونادوا بتعدد الزوجات، وقبوع المرأة بالمنزل وتخليها عن ممارسة حقوقها كإنسانة حتى ولو كانت تمس أخص شئونها الذاتية. والغريب أنهم نسبوا كل هذه الخرافات والأعمال غير الإنسانية إلى الإسلام. وساعد حكام البلاد المصرية في العصر التركي ما عانته البلاد من فساد حكم وتفشى الأمية بين كافة طبقات الشعب وتدهور الحياة الفكرية تبعا لذلك، وقبعت المرأة بالمنزل تمارس أعمالها به كأنثى ليس لها إلا أن تسرى عن الرجل وتعمل على إسعاده من وجهة نظره وتسعى من أجل ذلك إلى تنمية قدراتها الجسدية؛ لكي تستطيع أن تكسب معركتها مع رجل سهل له سوء فهمه للقوانين والقيم تعدد الزوجات بغير حق واقتناء أكبر عدد ممكن من الجواري و السرارى.
ويصف كلوت بك هذا الوضع وقد لفت نظره فيقول: أى احترام من ولد لوالدته إذا وقع نظره عليها وأحط الخصبان يتولى تأديبها أو معاقبتها بالضرب بأمر من والده”. والواقع أن مصر عرفت نظام الحريم كنظام اجتماعي على عقد الحكم التركي بالبلاد وإن ساد هذا النظام طبقة الأغنياء والطبقة المتوسطة، ولم تعرفه الطبقة الدنيا عندنا، فالمرأة الريفية كانت تقوم بمساعدة الرجل في أعمال الحقل وشئون البيع والتجارة شأنها في ذلك شأن جدتها المصرية القديمة وإن انتقلت إلى الرجل الريفي عدوى تعدد الزوجات على أنه كان يحتفظ بالزوجة الأولى إلى جانب زوجته الجديدة ويشب أولادهما معا وغالبا في منزل واحد دون تفرقة تذكر في المعاملة.
وهكذا نرى أن المجتمع المصري عانى من التأخر في كافة المجالات إبان الحكم العثماني لانعزال المرأة المصرية عنها لأسباب خارجة عن إرادتها، وساعد على ذلك حرمانها من التعليم، فبالرغم من وجود جامعة الأزهر بمصر ويأتي إليها عديد من طلبة البلاد الأخرى، حرمت من تلقى العلم بها ابنة مصر وعاشة حبيسة الجهل والخرافات والتفرقة في المعاملة الإنسانية بين المرأة والرجل وعدم السماح لها بالخروج من المنزل إلا في حراسة مشددة من بعض رجال الأسرة أو الخدم وإن كانت أختها ساكنة الريف امتازت عنها ببعض الحرية مثل حرية التنقل خارج المنزل والعمل بالحقل إلا أنها عانت أيضا من ثلوج كثيفة بصنوف من جهل وتقاليد بالية وتقاليع ينكرها العقل السليم خاصة فيما يتصل بتربية الأطفال، ومن ثم كان تأثيرها على الحياة المصرية وتطورها ضئيلا باستثناء ما تقدمه للبلاد من أبناء.