لحظات عصيبة تطبع الألم بأقسى صوره فى نفوسهن، بسكين بارد، وفى أحسن الأحوال بمشرط طبى، تذبح طفولتهن وتتشوه نفسيتهن إلى الأبد، بسبب أفكار مغلوطة عن الدين، وعادات وتقاليد موروثة، تورث قهر الفتيات والعبث بأجسادهن ومصائرهن، بل وحياتهن كذلك؛ “بدور” الطفلة التى كان مقتلها فى 2007 صرخة مدوية تطالب بالانتباه إلى هذا الخطر الذى يهدد فتيات مصر، وأعقبه تجريم هذه الممارسة فى العام 2008، ولكنها لم تكن آخر الضحايا، وحتى سهير، وفاتن، ونيرمين وغيرهن من الفتيات فى عمر الزهور، فقدن حياتهن بسبب عمليات الختان، ولكنهن لسن آخر الضحايا، لاسيما بعد تجريم القانون المصرى عمليات الختان مما جعلها تدور بشكل كامل فى الخفاء دون أن يعلم عنها أحد، ولا تنكشف إلا فى حالة حدوث كارثة تودى بحياة الفتاة، بينما لا ينتبه أحد للأخطار النفسية التى تواجهها الفتيات التى تتعرض لهذه الممارسة، معتبرين أن العملية مرت “بسلام”.
9 أعوام مرت على تدشين “اليونيسف” اليوم العالمى لرفض تشويه الأعضاء التناسلية للإناث “ختان الإناث” فى 6 فبراير من كل عام، أملاً فى توعية العالم بمدى خطورة هذه الممارسة التى تتعرض لها فتاة كل 15 ثانية فى مناطق مختلفة من العالم، إضافة إلى تشجيع محاولات القضاء عليها، و6 أعوام مرت على إصدار مصر قانونًا يجرم ختان الإناث إلا فى حالة الضرورة، ويقضى بمعاقبة من يقوم بالختان بالسجن لمدة تتراوح بين 3 أشهر وعامين وغرامة تتراوح بين ألف جنيه، إلى 5 آلاف جنيه، إلا أن مصر لا تزال فى صدارة الدول التى تعرضت أعداد كبيرة من فتياتها إلى الختان حول العالم، إلى جانب إثيوبيا ونيجيريا والسودان، حيث كشف تقرير حديث لليونيسف أن 91% من نساء مصر تعرضن لعملية الختان.
ووفقاً لليونيسف، خضعت أكثر من 125 مليون فتاة وامرأة فى جميع أنحاء العالم اليوم لشكل من أشكال الختان فى 29 بلداً فى أفريقيا والشرق الأوسط، وهناك 30 مليون فتاة أخرى يواجهن خطر الختان فى العقد المقبل، كما أشارت المنظمة إلى أن هذه الممارسة تتراجع فى مصر ببطء، حيث انخفض فى العام 2008 إلى 74%، مقارنة بـ 76% فى العام 2005، ولكنها أوصت بتسريع الجهود للقضاء على هذه الممارسة الضارة.
ولأن الفهم والتفسير الخاطئ للدين يعد واحدًا من أخطر أسباب انتشار الختان فى عدد من الدول الإسلامية، حرص الأزهر الشريف على مناهضته لسنوات طويلة، ففى العام 1998 اجتمع علماء من أكثر من 35 دولة إسلامية فى جامعة الأزهر بالقاهرة، وتناقشوا بشأن الختان، وتوصلوا إلى أن هذه العادة غير ملزمة فى الإسلام، فيما أشار كتاب “ختان الإناث بين المغلوط علميًا والملتبس فقيهًا” الذى أصدرته جامعة الأزهر بالتعاون مع اليونيسف مؤخرًا، إلى أن “عملية ختان الإناث لم تذكر على الإطلاق فى القرآن الكريم، كما أنه ليس فى مرويات الحديث دليل واحد صحيح السند يمكن أن يستفاد منه حكم شرعى فى ختان الإناث”.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمى لمناهضة ختان الإناث، انطلقت عدة فعاليات مصرية لمواجهة هذه الممارسة من بينها حملة للتدوين والتغريد ضد ختان الإناث خلال يومى 6 و7 فبراير، ضمن “هاشتاج” #لا_لختان_البنات، وهى المبادرة التى دشنها ائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث، فيما أطلق عدد من النشطاء بمحافظة كفر الشيخ حملة للتنديد بختان الإناث تحت اسم “ثورة على ختان البنات”، فيما أطلق “المجلس القومى للسكان” دعوة للإبلاغ عن أى حالة ختان للإناث قبل وقوعها، فى محاولة لحماية الفتيات من هذه الممارسة تحت شعار “كلنا مسئولين، خليك إيجابى، وعى غيرك، وبلغ عن أى حالة ختان”، فيما بدأت “يونيسف مصر” منذ الأول من فبراير أسبوعًا للتوعية بختان الإناث وأبعاد القضية فى مصر، فضلاً عن العديد من الحلقات النقاشية والندوات التى تندد بالممارسة فى مختلف المحافظات.