شريف السقا
في يوماً ما ،في مكان ما ،وضعت رأسي على صدر صبية ….همست سأحكي لك قصة جارية …كأي جارية …مجرد جارية …..
فتحت رق عتيق ….مكتوب في زمن الرقيق …و تحكي الصبية …..
على شاطيء ما ،في مكان ما …..مدينة تشبه كثيراً مدينتنا …
و في يوم شتاء ….سمعت عواء …جاء عابر ليل …على صهوة خيل ….
قال بكم تبيعني هذه الجارية ….سأعطيك ألف دينار …و إن شئت ألف ألف دينار ….و قبل إن يطلع النهار ….ساق وراؤه الجارية ….كأي جارية …مجرد جارية ….
و في يوماً ما ….صاح النخاس…..أيها الناس ….لقد هربت الجارية ….ذهبت الجارية …..و من أمير …. لوزير …و من قواد لقراد…..حتى الشيوخ معقوفي الأنوف…و ضاربي الدفوف ….ذهبت الجارية ……..
و على شاطيء بحر ….و في إحدى غرف القصر….وجدوا الجارية ….صاحت غواني القصر ….لقد قتلوا الجارية و تركوها عارية ……
إنتفض الشيوخ معقوفي الأنوف و ضربوا الدفوف ….لقد قتلت لنا إليوم في القصر جارية ……
و ارسلوا إلى المدينة …..و جيء بالقاتل على نحو عاجل …..و سألوه كيف لك إن تقتل في قصر معقوفي الأنوف جارية ؟
إلا تعلم اننا قوم نحب الجواري الحسان……و نعشق الغلمان ؟
أجابهم على عجل…و بلا وجل …..أتسألونني…عن جارية ….كأي جارية ….مجرد جارية …..
و في صباح صيف….إرتفع السيف…..و طار رأس في الهواء ….و شهق الناس …حتى الأتقياء …هتفوا ..هذا قانون السماء …و هذا جزاء كل من يقتل حتى و لو جارية ….مجرد جارية …..
أما الأقوياء ….الرجال الأشداء ….فقالوا نحن قوم لم يقتل لنا أبداً في القصر جارية ……
و يسري صوت خافت في المدينة ….إليوم ترفعون السيف ….السيف الذي لم ترفعوه يوماً ما …في مكان ما ….دفاعاً عن عرض مسلوب ….أو مال منهوب….أو حتى في سبيل قطرات لبن على الأرض مسكوب ….ترفعوه إليوم من أجل جارية ……مجرد جارية ….
و في المدينة الشرقية ….كتبوا بحروف عربية ….هنا دفنا الجارية ….كأي جارية ….مجرد جارية ….
و بعد أيام معدودات ..لما فات ….في خارج المدينة و تحت الأسوار الحزينة ….تجيء القافلة ….بها ألف راحلة….جائت من بعيد …محملة بالتوابل و الجواري و العبيد ….و احتشد الناس ….و ضحك النخاس…..و عاد القواد…حتى الأتقياء …و بكل رياء إرتفع دعاء ……حتى الشيوخ معقوفي الأنوف و قد ضربوا الدفوف …..
و يعلو صوت كئيب كالموت …..إليوم لكل منكم عبد و جارية ……مجرد جارية ….
تطوي الرق العتيق …..المكتوب في زمن الرقيق …..و تصمت الصبية