إعداد مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
على مدار ثلاثة وعشرون عاما ونيف من عمر مركز النديم، عشنا قصصا تدمى لها القلوب علي ما تتعرض له اللاجئات في بلدانهن وفي رحلة اللجوء وأيضا في البلد المضيف.
كان أول نزوح ضخم من اللاجئين لمركز النديم من السودان. البعض هربن من الحروب العرقية والبعض هربن من الحرب التى تتمسح في ثياب أطلق النظام عليها الفتح الإسلامي للجنوب، والبعض هرب من معتقلات النظام ومطارداته.
بعضهن هوجمن من جيوش النظام أو المليشيات التابعة للنظام والبعض هربن من ميلشيات وحروب قبلية. ولكن جمعهن التعذيب بكافة أشكاله بما في ذلك التعذيب الجنسي الذي يعد وسيلة يومية ضد النساء والرجال علي السواء في معتقلات النظام ومؤسساته الأمنية.*
لا أنسى تلك السيدة التى هربت من جبال النوبة بعد هدم منزلها وحرق مزروعاتها وماشيتها والاعتداء عليها وقتل زوجها. فرت بأولادها سيرا على الأقدام لتفقد إثنين من أولادها في الرحلة عبر الجبال تحت وهج الشمس الحارقة بلا ماء ولا طعام. وأذكر تلك التي تم اغتصابها في معتقلات البشير بسبب عملها في إحدى مؤسسات الإغاثة الإنسانية الأجنبية. هربت إلى مصر ومعها جنين يتحرك في أحشائها. اكتئاب مروع وحيرة في أمر ثمرة التعذيب الجنسي ومشاعر الأمومة وطفل بلا أب وعدم إمكانية التدخل العلاجي بمضادات الاكتئاب بسبب الحمل.
مشاهد يصعب علي الذاكرة طيها، زادها حياة ما تتعرض له اللاجئات في بلد اللجوء، وفي حالتنا نتحدث عن بلدنا، مصر.
تضطر اللاجئات للعمل في المنازل نظرا لعدم وجود فرص للعمل وضرورة البحث عن مورد مالي وإن كان لا يكفي أكثر من إطعام الصغار وأربع حوائط تأويهن بأطفالهن.
وما ينطبق على السودانيات يمتد ليتقاطع مع كافة الجنسيات أيا ما كان لون بشرتهن.
صابرين ( اسم مستعار) لاجئة أثيوبية. اضطرت للعمل لدي أسرة بالسادس من أكتوبر. كانت تلجأ لركوب تاكسي بعد نزولها من الميكروباس. اختطفها سائق التاكسي وأعتدي عليها جنسيا وألقي بها في الطريق الصحراوي… نعم في منطقة معزولة بعد التاسعة مساء. لم تكن معها أسرتها التي تشرد كل فرد منها في بلد من البلدان المجاورة وهي شابة عشرينية تعيش مع مجموعة من الشابات الأثيوبيات يقتربن منها عمرا. عادت لمنزلها في صباح اليوم التالي. عاشت مأساتها وحدها فلم تمتلك القدرة على البوح بما حدث لزميلاتها، ولم تجد جدوى من اللجوء للشرطة وهي غريبة عن البلد ولا تعرف إسم الجانى ولا رقم سيارته، إضافة أن شرطة بلدها كانت قد اعتدت عليها جنسيا قبل هروبها من البلد.
وهذا هو حال الغالبية العظمى من اللاجئات. لا يتقدمن بشكاوى للشرطة، لا يشتكين لعائلاتهن أو أصدقائهن، يطلبن المساندة الطبية والنفسية بعد فترة من الزمن يحبسن فيه أنفسهن داخل أنفسهن. يقتلهن الخوف والأرق والكوابيس ومشاهد الاغتصاب التى تلاحقهن ليل نهار. وبجانب قلة الطعام لضيق ذات اليد تصوم الناجية من هذه الجريمة لفقدان الرغبة في الطعام وربما فقدان الرغبة في الحياة ذاتها وتمنى الموت ومحاولة الخروج من سجلات الحياة بمحاولات فعلية في بعض الحالات.
ومثل صابرين هناك الكثير من النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب وللانتهاك في مصر بشكل يومي، وتروي نادية (اسم مستعار)لاجئة من التشاد ما تعرضت له من انتهاكات:
“”أنا كنت متزوجة من رجل لا يحب العمل وبعد فترة من الزواج ل3 سنوات أنجبت ولد تم الطلاق وزوجي تخلى عن مصاريف والتزمات ابني … وبعدها قررت أن أبحث عن فرصة عمل وتم تعيني في مكتب”سفاري سياحة”، وبعد فترة قصيرة تم التحرش جنسيا بها من صاحب العمل وعندما اعترضت على ذلك وقررت ترك العمل تم اتهامها بسرقة تذاكر سفر ومن خوفها من الحبس والسجن وهي بريئة قررت تبحث عن عمل خارج بلدها. وقابلت شخص مسؤول عن إيجاد فرص عمل خارجي بطرق غير شرعية لأنها هاربة من القانون في اعتقادها. وبالفعل تم سفرها على مركب إلى السودان وبعد وصولها إلى السودان تم عملها في فندق كعاملة نظافة، “وكان الوضع سيء جدا جدا من كل حاجة الأجر قليل ..مجهود ..معاملة سيئة جدا وبعدها اشتغلت في منزل عاملة نظافة وانتقلت مع هذه السيدة إلى مصر … وبعد فترة اتعرفت على واحد مصري بدأ يبدي اعجابه بي ويستمع إلي”، واقنعها بأنه سوف يجد لها عمل مجدي ومربح أكثر من ذلك العناء وسيكون في مصنع لدى أحد أصدقائه ..وأقنعها بترك السيدة التي كانت تعمل عندها وفعلا ذهبت معه، “واكتشفت أنه لا في شغل ولا مصنع أخد مني فلوس بحجة أنها رسوم لأوراق العمل وبعدها أخذني إلى مكان العمل “المصنع الكبير”، وفوجدت بنفسها في شقة بعيدة عن صوت الناس ..اغتصبها وبعدها حبسها وربطها لعدم التمكن من الهرب وثاني يوم حضر ومعه 4 أشخاص تناوبوا الاعتداء عليها واستمر الحال لمدة 3 أيام وهي محبوسة لديه حتي تركته نائم وتمكنت من الهرب والجري بعيدا إلى أن حاول بعض الناس مساعدتها ماديا لركوب مواصلات. وسألت بعض الناس عن مكان يمكن مساعدتها وحولوها إلى منظمة تعمل على حقوق اللاجئين وبعد الكشف عليها تبين أنها حامل في الشهر الرابع ولا يمكن إجهاض الجنين لأسباب طبية.
لجأت إلى مصر فرارا من الحرب الأهلية في إحدى الدول الأفريقية.. خاصة بعد أن تم اعتقالها وتعرضت للتعذيب الجنسي أثناء الاعتقال، تقول:
“عايزة أنام.. نفسي أنام في الليل.. طول الليل صاحية.. ولو نمت مفيش ساعة وأصحي تاني مفزوعة من الكوابيس المرعبة وما أقدرش أنام تاني.. تعبت.. حاسة إني هتجنن … بروح لناس مهاجرين من بلدي بس مش بيتحملوني عشان بأقوم من النوم مفزوعة وبصرخ.. اللي حصل مش بيبعد عني لا ليل و لا نهار.. عايزة أنسى أو أموت.
لما وصلت مصر, كاريتاس كانت بتديني معونة.. كنت بأعيش منها.. و لما وقفت المعونة ما بقاش عندي مصدر للدخل و مش لاقية شغل.. اضطريت ألجأ للشارع.. أكل من بواقي الناس وأنام على الرصيف.. في يوم وقف راجل بعربية قاللي إنت عايزة تشتغلي.. قلت آه.. قاللي طب تعالي أنا هاشغلك. ركبت معاه ورحت على بيته.. كان في اتنين رجالة غيره.. حبسوني في البيت ده 3 ايام.. يضربوني و يتناوبوا اغتصابى.. وبعد التلات أيام ما خلصوا أخدني في العربية ورماني في الشارع و أنا زى الجثة من التعب والحزن.. افتكرت التجربة السابقة اللي بسببها سبت بلدي وبقت الصور كلها في رأسي مش بتفارقني.. حاولت الانتحار لكن ماممتش.. مش عايزة حاجة غير إني أنام… أنام من غير كوابيس”.
وناجية أخرى تروي:
“أنا سورية شيعية.. مع القتال في سوريا هربت و جيت على مصر بولادي.. أبوهم مات في القتال اللي في سوريا.
قبل يوم الواقعة اتصلت بالسوبرماركت أطلب حاجات للبيت.. جاء عامل الديلفيري كان ملتحي، بعد فترة حضر لمنزلي وسألني: “عارفاني”؟ قلت لأ، فذكرني بإنه عامل الدليفري، سألته عما يريد فقال: “انتم شيعة ولو قعدتم في مصر يبقي بشروطنا”. دار حوار بينا حول هذا الأمر وطلب الدخول لاستكمال النقاش فرفضت، ضربني ودخل بالقوة وقال أنتم إماء لنا وحِل لنا… ضربني واعتدي عليَ جنسيا وكان يناديني ب يا آمة.. تكررت زياراته تحت الضرب والتهديد بخطف بناتي وسبيهن.. جسمي كله ملون أحمر و أزرق من ضرب الحزام والكفوف… خايفة منه.. خايفة أبلغ يموتوا بناتي أو يعتدوا عليهم.. دلوقتي هم اللي حاكمين البلد، يكفروا اللي هم عايزينه ويستعبدوا اللي همه عايزينه، كان موتي أرحم من إنه يجي يوم وأتعامل على أني جارية… يا ريتني فضلت في بلدي ومت بشرفي. دلوقتي مش عارفة أروح فين ولا أعمل إيه؟!
فاللاجئات كما نرى يتعرضن للاغتصاب كوسيلة لترهيبهن والحط من شأنهن في بلد يعلمون جيدا أنهن ليس لديهن حقوق فيها، وتروي ناجية أخرى ما حدث لها قائلة:
“كنت باشتغل عاملة نظافة لدى أحد الأسر المصرية، زوج وزوجة وماعندهمش أطفال… الزوج دايما مشغول بره البيت.. بيشتغل في جهة أمنية… بدأ يتحرش بي لو هو في البيت وزوجتة بره، ومن ست شهور رجع البيت في غير معاده والمدام كانت بره…. أنا كنت في الحمام باستحمي.. فتح الباب وهجم علي واغتصبني.. وهددني بالقتل لو فتحت بقي، ما بقتش عارفة أقول لمراته! ولا أمشي من سكات! ممكن يقتلني فعلا.. هو واصل ومسنود وأنا شغالة وغريبة عن البلد وماليش حد… ممكن يلزق فيه أي تهمة.. ماكانش قصادي غير إني أمشي فورا.
بعد شهرين من الحادث ده الدورة مجاتش.. طلعت حامل، حاولت بشتي الطرق أجهض نفسي وماعرفتش…ومش عارفة أقول إية لجوزي وهو ما كانش عايش معايا في الوقت ده… يعني هو كمان ممكن يقتلني، كرهت نفسي وليل ونهار ألومها.. كنت ضربته بأي حاجة..حاولت أموت نفسي بس فشلت…. عَدت شهور على الحادثة وأنا طول الوقت بفكر في اللي حصل وفي الموت وازاي أنهي حياتي مع اللي في بطني…. النوم بقي صعب وكله كوابيس… باحلم باللي حصل وهو ماسك المسدس بتاعه و بيحطه على رأسي.. الستات مالهٌمش ظهر يتسندوا علية لو حصلت لهم كارثة زي دي، نفسي أموت وأرتاح”.
مصر من البلدان التي صادقت على الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين، ولكن أقصي ما يتم هو تركهن بدون ترحيل ودون تقديم أي خدمات إنسانية لهم، بل وصل الأمر لغلق باب مصر في وجه الكثير من السوريات والسوريين وترحيل لسودانيين وأرتريين وغيرهم من الجنسيات التى لجأت لمصر البلد الشقيق الآمن!
إننا إذا نطالب بمنظومة متكاملة واستراتيجية وطنية للتعامل مع ضحايا الانتهاكات الجنسية من النساء المصريات، ونشدد أن وضع اللاجئات أكثر تعقيدا ويتطلب على أقل تقدير معاملتهن على قدم المساوة مع المصريات في تلك الاستيراتيجية التى نسعى إليها وضمهن في كافة الخدمات التي من الممكن أن تقدمها الدولة بما في ذلك دور ضيافة النساء التي تقتصر على المصريات دون غيرهن.