يستخدم المتشددون داخل اللجنة التأسيسية نصوص الميراث لتأكيد التمسك بوضع كلمة أحكام الشريعة فى المادة 36 الوحيدة الخاصة بالمرأة دون غيرها، لإنكار المساواة بين المرأة والرجل والتدليل على فهمهم لدونية المرأة، وفى الحقيقة تعكس هذه المعركة المفتعلة ضد المرأة جهلا بقواعد الميراث نفسها وقراءة مجتزأة للنصوص من منظور ضيق متأثر بعادات الجاهلية، لا بالثورة فى الحقوق التى جاء بها الإسلام، وإصرارا على قراءة قواعد الميراث بطريقة لا تقربوا الصلاة، والوقوف عند جزء من الآية وهو (للذكر مثل حظ الأنثيين) ودائما ما يتجاهلون عن عمد باقى الآيات التى تشرح قواعد الميراث فى إطار منظومة اقتصادية مكتملة لا يتوقف فيها نصيب الورثة على عوامل الذكورة والأنوثة، فحالة الذكر مثل حظ الأنثيين تعد إحدى حالات الميراث تقابلها حالات أخرى عدة حظ الذكر يكون متساويا مع حظ الأنثى، وحالات يكون فيها حظ الذكر نصف حظ الأنثى، أى للأنثى مثل حظ الذكرين، فالحالة التى يروجونها دائما وكأنها القاعدة الوحيدة يرث الأخ حظ أختين فى حالات محدودة منها الأبناء، أما حالات المساواة فمتعددة مثل الأب والأم رغم أن الأب ذكر والأم أنثى، أيضاً الأخوات لأم يرثون بالتساوى ذكورا وإناثا إن لم يكن هناك مانع لميراثهما وحالات أخرى متعددة، أما الحالات التى ترث فيها الإناث ضعف الذكور فمنها ميراث الأم التى ترث الثلث إن لم يكن للمتوفى ورثة ويرث الأب الثلث ثم يبقى ثلث يعود على الأم لترث ثلثين أى ضعف الأب، بل إن قواعد الميراث عامة قدمت النساء على الرجال لتضمن حقوقهن وتحصنهن من ثقافة الجاهلية التى ما زالت للأسف موجودة حتى بعد أربعة عشر قرنا، وذلك بأن أغلب النساء ترث كأصحاب فروض أى لهن نصيب مؤكد فى التركة يأخذنه حتى لو زاد أصحاب الفرض عن قيمة التركة نفسها فيخصم العجز من الجميع، وأغلب الذكور ترث كأصحاب عصب أى ما يتبقى فى التركة بعد أصحاب الفروض، وطبقا لقواعد الميراث أحيانا يكون إنجاب بنتين أكثر حظوة من إنجاب ولد وبنت أو ولدين مثل أن يتوفى شخص تاركا أمه وأباه وزوجته وطفلين، يرث الأب فرضا السدس «وهو من الحالات القليلة التى يرث فيها الرجال فرضا وليس تعصيبا» وترث الأم السدس والزوجة الثُمن، ويبقى باقى التركة التى أقل من الثلثين للولدين تعصيبا أو الولد والبنت التى ترث تعصيبا مع أخيها، أما لو كان تاركا لبنتين يكون نصيبهما فرضا الثلثين وتصبح تركة تزيد فيها الفروض ومن ثم لا يتمتع الأب والأم والزوجة بفرضهما كاملا على حساب الأولاد وإنما يخصم من الجميع العجز فى التركة، أما وجود الابن الذكر فى هذه الحالة فيجعل الخصم فى العجز منه ومن ورث معه من الإناث.
والخلاصة بعد هذه التفاصيل التى يعلمها المتخصصون جيدا أن رفض اقتران حقوق المرأة فى الدستور الجديد بكلمة أحكام الشريعة ليس رفضا للشريعة كما يدعى فريق المتشددين لأننا ارتضينا مبادئ الشريعة فى المادة الثانية، وإنما رفضا لفتح الباب على مصراعيه لمسائل متغيرة خاضعة لكل أشكال التشدد والتطرف، واستغلال عدم علم غير المتخصصين بتفاصيل فقهية، وهو ما يعد الاتجار والازدراء للدين وللنساء معا.
جريدة الوطن: