تعرب المنظمات الحقوقية الموقعة عن رفضها لمضمون وفلسفة مسودة الدستور التي تطرحها الجمعية التأسيسية وتستعد لعرضها على الاستفتاء الشعبي خلال هذا الشهر، وتؤكد المنظمات أن تلك المسودة لا تعبر عن المجتمع المصري بتعدُديته الثقافية والدينية والعرقية والسياسية، وتتنصل من قيم وأهداف ثورة 25 يناير، كما أنها تُهدر قيم المواطنة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.
أدارت الجمعية التأسيسية ظهرها لثورة 25 يناير، وضربت عرض الحائط بتضحيات المصريين في سبيل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي، حيث تقدم الجمعية في “دستورها” دعمًا لأركان الاستبداد السياسي، بتبنيها نظامًا يكرس سلطات إمبراطورية لرئيس الجمهورية متماثلة مع ما كان يتمتع به في عهود ما قبل ثورة 25 يناير، كما تفسح المجال أمام تأسيس دولة دينية تعصف بالحقوق والحريات.
كما أفصحت الجمعية عن معاداتها لقيم حقوق الإنسان، وذلك بتنصل الجمعية من النص على الالتزام بالمواثيق الدولية ذات الصلة التي وقعت عليها مصر، ورغبتها الواضحة في التحلل من الالتزامات الدولية لمصر في حماية حقوق الإنسان. وبدلاً من أن تنص المسودة على عدم جواز الانتقاص من حقوق المواطنين وحرياتهم التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ اتجهت إلى تقييدها بما يسمى الأحكام الأساسية للدولة والمجتمع في الدستور، التي تتكون من مجموعة مواد ذات طبيعة إنشائية غير منضبطة، يمنح بعضها الغطاء الدستوري لتكوين جماعات منفصلة عن مؤسسات الدولة المعنية بإنفاذ القانون، وتقوم بتقييد حريات المواطنين والاعتداء على حقوق الإنسان بدعوى حماية أخلاق وقيم وعادات المجتمع، والمعروفة بجماعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
إن المنظمات الموقعة تلاحظ بمزيد من القلق محاولات الأحزاب المهيمنة على تشكيل الجمعية التأسيسية لتقويض مفهوم الدولة الحديثة واستيرادها مقومات النظام الاستبدادي الديني الإيراني بعد صبغه بمصطلحات “سُنيّة”. وذلك عبر تسييس مؤسسة الأزهر الدينية ومنحها موقعًا يعلو البرلمان المنتخب، ويتضح ذلك أيضًا في صياغة المادة 220 المفسّرة لمبادئ الشريعة الإسلامية. فهذه المادة لا تقدّم حلاً لمعضلة علاقة الدين والدولة في مصر، بل إنها تفاقم من الأزمة، وتعصف ببنيان دولة القانون، لصالح الاحتكام لآراء فقهية بشرية صدرت كعلاج لمشكلات مجتمعات مختلفة وفي أزمنة سابقة. الأمر الذي يؤدي لجعل حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية مطية لأهواء من يملك الأغلبية البرلمانية؛ أو يسيطر سياسيًا على مؤسسة الأزهر.
تؤكد المنظمات الموقعة أن هذه النتيجة كانت متوقعة بعد إصرار أحزاب سياسية بعينها على إتباع منهج الإقصاء والاستعلاء وفرضه باسم “إرادة الأغلبية” على مسيرة كتابة دستور مصر بعد ثورة 25 يناير. وقد مارست إدارة الجمعية خلال هذا المسار مزيج من التحايل السياسي والقانوني والإداري الذي يهدد مستقبل الشرعية الدستورية، وينذر بسقوط البلاد في الفوضى ومرحلة طويلة من عدم الاستقرار. وفي هذا الإطار نتابع تجاهل الجمعية لحقيقة أن مصيرها لا يزال مرهونًا بحكم القضاء، ورغم ذلك تواصل عملها تمهيدًا لطرح مسودة الدستور للاستفتاء العام وإقرارها قبل أن تبت المحكمة الدستورية العليا في مشروعية الجمعية.
لقد تعاملت هذه الأحزاب مع الدستور باعتباره ملكية خاصة لمن يحرز فوزًا في الانتخابات البرلمانية، وتجاهلت أن تكوين الجمعية التأسيسية لا يخضع فقط لاعتبارات التمثيل السياسي، بل هو بالأساس يخضع لاعتبارات التمثيل المجتمعي لكافة أطياف الشعب. واللافت أن هذه الأحزاب استبعدت غالبية أبرز الخبراء في القانون الدستوري، واكتفت بتقسيم “كعكة” الجمعية التأسيسية على ممثليها وأنصارها، برغم عدم امتلاك عدد كبير منهم لخبرات تؤهلهم للمشاركة في صياغة الدستور. وفي الوقت ذاته لم تسع لضم خبراء من منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية والأقليات الدينية والعرقية، كما لم تكترث بضرورة مراعاة التمثيل الجغرافي في الجمعية لأبناء المحافظات الحدودية التي تعاني التهميش السياسي والمجتمعي منذ عقود، وبخاصة سيناء والنوبة.
إن المسودة المطروحة لإجراء استفتاء عام خلال فترة وجيزة لا تحظى بتوافق داخل الجمعية التأسيسية نفسها. حيث ترتفع أصوات احتجاجية متزايدة من داخل الجمعية، على انعدام الشفافية في العمل بين إدارة الجمعية ولجانها المختلفة، وعلى التغييرات والتعديلات التي تحدث، من وراء ظهر بعض اللجان، على المواد المقدمة منها.
وتأكيدًا لعدم توافر الإرادة السياسية لدى القوى السياسية المتحكمة في الجمعية التأسيسية للتوصل للتوافق المجتمعي المطلوب لإنجاز أي دستور؛ جاء انسحاب ممثلي الكنائس المصرية من الجمعية قبل يومين لينتقص من مشروعية استمرار هذه الجمعية بتشكيلها ومسارها والمنتج الذي انتهت إليه. جدير بالذكر أن انسحاب الكنائس المصرية الثلاث جاء بعد إعلان عدد من أعضاء الجمعية الأساسيين والاحتياطيين والخبراء باللجنة بالفنية عن تجميد عضويتهم وتهديدهم بالانسحاب.
إن المنظمات الموقعة إذ تلاحظ اعتماد الأحزاب المهيمنة على الجمعية التأسيسية خلال الترويج لمسودة دستورها لذات المنهج الدعائي الذي تم استخدامه في استفتاء مارس 2011، وهو الزعم بأن التحيز لجانبهم يقود بالتبعية لحماية الإسلام؛ فإنها تؤكد للشعب المصري أن تعزيز قيم حقوق الإنسان هو من صميم القيم الدينية العليا المشتركة بين كل الأديان، وتؤكد المنظمات على رفضها لدستور لا يُعبّر عن الشعب المصري، صاغته جمعية تفتقر للمشروعية المجتمعية والسياسية والثقافية، ويسعى أعضاؤها للحفاظ على مصالح حزبية ضيقة، حتى لو تعارضت مع مصلحة المجتمع بأسره.
المنظمات الموقعة (أبجديا)
1. الائتلاف المصري لحقوق الطفل.
2. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.
3. دار الخدمات النقابية والعمالية.
4. الشبكة العربية لمعلومات لحقوق الإنسان.
5. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
6. المجموعة المتحدة .. محامون ومستشارون قانونيون.
7. مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان.
8. مركز الأرض لحقوق الإنسان.
9. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
10. المركز المصري لحقوق الإنسان.
11. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
12. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.
13. مركز حابي للحقوق البيئية.
14. مركز قضايا المرأة المصرية.
15. مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية – أكت.
16. مصريون ضد التمييز الديني.
17. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي.
18. المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
19. المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
20. مؤسسة المرأة الجديدة.
21. المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة.
22. مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
23. نظرة للدراسات النسوية.