“لو كانت أختك”.. تحت هذا الشعار أطلق مجموعة من الشباب السعودي النشط في مجال العمل التطوعي العام، وأشرف عليها هاشم داغستاني، حملةً في جامعات مدينة جدة بهدف القضاء على مشكلة المعاكسات الشبابية للفتيات بعد مناقشة أسبابها.
وهذا ما أكَّده المشرف، وهو أن المستهدَف الأساسي للحملة هم الشباب والفتيات في كافة القطاعات، ومستويات التعليم لتبصيرهم بمخاطر الظاهرة، وأبعادِها الأخلاقية السلبية، وضوابط وآداب الزمالة بين الجنسين في مواقع العمل والتعليم، وأضاف: إن الحملة توعوية توجيهية، وليس من أهدافها الخروج بأية توصيات قانونية، أو تشديد العقوبة على المتحرشين، ويقول داغستاني: إن هؤلاء الشباب يحتاجون إلى التفهُّم والاحتواء والتربية القويمة أكثر من حاجتهم إلى الزجر، والتنبيه، والعقاب، خاصة أن الظاهرة أخذت بُعدًا جديدًا، وشديد الخطورة، يتمثَّل في قيام الفتاة أحيانًا بمعاكسة الشاب، أو التحرُّش به، وهو ما يفرض أشكالًا أخرى للتعامل مع الظاهرة تتجاوز الشكل القانوني وحدَه.
ونقل موقع المركز العربى للمصادر والمعلومات أمان عن مؤسس الحمله هاشم داغستاني قوله: “إن غياب الوعي الاجتماعي الذي يبين طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، بالإضافة إلى نظرة المجتمع للمرأة ونظرة المرأة لذاتها، والعادات والتقاليد التي تهمِّش المرأة من أهم أسباب انتشار المعاكسات الشبابية”.
ويضيف داغستاني قائلا: “إن الحملة جاءت لتأكيد حاجة الشباب السعودي إلى التعبير عن مشاكلهم بطريقه عملية، ومعاناتهم من قضايا عديدة، دون وجود من يستمع إليهم”.
ويؤكد داغستاني أن الحملة عبارة عن مرشد بين الشباب، الهدف منها القضاء على هذه الظاهرة، والتي تتواجد في الجامعات من خلال ممثل للحملة في كل جامعة بجدة ويتواصل مع الطلاب من خلال شبكة داخلية، ويقوم بشرح أهدافها للطلاب، وتوزيع الاستبيانات، والتعرف على آرائهم، ومناقشتهم بها لوضع الحلول المناسبة، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل حوارية مصغَّرة لاستعراض الأسباب المؤدية لظاهرة المعاكسات، وإلقاء المحاضرات التوعوية الهادفة، ومشاركة خطباء المساجد للتصدي لهذه الظاهرة، إضافةً إلى فريق العلاقات العامة والتسويق وفريق الإعلام، فهي حملةٌ تتلخَّص فكرتها بإشراك الجميع لخدمة أكبر عددٍ ممكن، فنحن نحاول أن نوضح مفهوم المعاكسات، والذي يتلخَّص في الطريقة الخاطئة للتعارف بين الجنسين، ويجب علينا أن نعالجَ هذه الظاهرة بأسلوب ذكي، فاستفزاز الشباب يُعتبر أسلوبًا معاصرًا لردعه عن ممارسة هذه الأفعال الخاطئة.
دوافع حملة لو كانت أختك
وكان الدافع لإقامة هذه الحملة هو تفاقم ظاهرة التحرش الجنسي وصمت المتحرش به، حيث سجلت النسبة إلى 215% وارتفع العدد من 1031حالة عام 2005م، إلى 3253 حالة في العامين الماضيين.
و لهذا أقيمت الحملة للقضاء على ظاهرة التحرش الجنسي التي يتعرض لها الجنسان في الشوارع، وتَمَّ التخطيطُ للحملة منذ سنة، وانطلقت مؤخرًا على موقع “الفيس بوك” وهي تهدف إلى إعادة الأمان للنساء السعوديات، وبالفعل لاقت الحملة إقبالًا من الشباب عليها عبر طرحها على موقع الفيس بوك؛ حيث وصل عدد المشتركين في الجروب 8 آلاف و400 عضو من الجنسين.
ويقول هاشم مشرف الحملة أنها ذات مراحل ثلاث تمرُّ بها، أولها مرحلة التعريف ويتمُّ من خلالها طرح الأسئلة على المجتمع للوصول إلى حقيقة التعريف بالآثار السلبية للمعاكسات، وثاني مرحلة وهي التوعية والتوجيه، وفيها يتمُّ الاجتماع بالمختصين في المجتمع من دعاة ومفكرين وأطباء نفسيين واجتماعيين ومن لديهم القدرة على شرح هذه الظاهرة لنضع معهم النقاط الأساسية لظاهرة المعاكسات، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التطبيق في المجتمع: قوانين حكومية وهي التي تُفعل من قِبل الدولة وسيتم فيها جمع القرارات بناء على المرحلتين السابقتين ويتم إرسال الورقة إلى المختصين لتفعيل قرار قانوني يحدُّ من المعاكسات، وقوانين مجتمعية وهي التي تُفعل من قِبل المجتمع، فمن الممكن أن ننشئَ يومًا سعوديًّا وعلميًّا يحمل شعار “لو كانت أختك” وفي هذا اليوم يلتزم الشباب بعدم المعاكسات، نعلم أنه يستحيل أن ينتهي الأمر بهذه السهولة، لكنها دعوة إلى التقليل من هذه الظاهرة وهو ما نتمناه، وتعدُّ المرحلة الإعلامية هي إحدى الخطوات الأساسية في المرحلة التوعوية والتوجيهية؛ ذلك أنها تأخذ الحصة الأكبر في توصيل الرسالة، وقد استخدمنا فيها لغة الشباب للوصول إليهم عبر أقرب طريق ممكن، ومن الخطوات الإعلامية المستخدمة في الحملة استخدام الصور التعبيرية والأفلام القصيرة والعبارات المؤثرة والمقابلات التليفزيونية والمكتوبة والمسموعة، وسيتمُّ ذلك من خلال مخاطبة الجهات التعليمية كالمدارس والجامعات عن طريق ورش عمل يديرها فريق العمل المكوَّن من 12 شابا وفتاة “6 شباب و6 فتيات” يوجدون في الجامعات لشرح حقيقة ظاهرة المعاكسات بين الجنسين.
بينما أشار الخبير الإعلامي جمال فهمي بأن هذه الحملة تعدُّ من الحملات القيمة ولها صدًى واسع الانتشار لدى الشباب؛ لأن الشبكة العنكبوتية “الإنترنت” أصبحت ساحة واسعة وعالمًا مفتوحًا يُقبل عليه فئة كبيرة من الشباب.
ويؤكد جمال بأن هذه الظاهرة تُمثِّل إحدى الظواهر الغريبة على مجتمعاتنا العربية؛ حيث إننا لم نسمع بها من قبلُ ولكن يعدُّ هذا بمثابة الضرائب التي يدفعها المجتمع نتاج الانفتاح على المجتمع الخارجي والاقتداء به دون وعي منا بذلك، فالمجتمع الغربي يختلف عنا تمامًا في حياته الاجتماعية فما يتمثَّل لهم بكونه أمورًا عادية يعتبر بالنسبة لنا ظواهر غريبة يتوجب علينا الوقوف أمامها لردعها.
ويتوجه الخبير الإعلامي بجزيل الشكر للقائمين على مثل هذه الحملات التي تنبِّه الشباب بخطورة بعض من المشكلات التي يقعون فيها تحت بند التقدم ومواكبه العولمة، فهذه الحملة أثبتت لنا أن هناك شبابًا محترمًا يقدر المسئولية فاعلًا في مجتمعه مثقفًا واعيًا بمشكلات مجتمعه؛ فصحيح أن المشكلة تتطلب وقتًا كبيرًا لحلِّها، لكن مثل هذه الحملات تعدُّ دافعًا لتحريك القضية في اتجاه المتخصصين والمسئولين.
ويقول جمال: إنه برغم كونها مجرد حملات على الإنترنت يمثلها مجموعه شباب فإنها كفيلة بتسليط الضوء على المشكلة، لأنه كلما تأخرنا في الحل يزداد الأمر خطورة “فأول الغيث قطرة” ولو كانت هذه الحملة هي القطرة الأولى فهي حملة تستحقُّ الاحترام.
أما علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فيقول: إن المجتمع حاليًّا يَعتبر مثل هذه الحملات التي تناقش ظواهر بانت على الساحة وتفاقمت أنها ظواهر يجب الوقوف أمامها وصدها؛ لأننا لو عُدنا بالزمن إلى الخلف نجد أنه لا وجود لمثل هذه المشكلات، والسبب هو وجود وازِع أخلاقي هو كفيل بأن يردعَ أي ظاهرة تخلُّ بنظامِ المجتمع.
وأشار علي إلى أن السبب الآن في ظهور مثل هذه الظواهر هو تدني الضمائر والوازع الأخلاقي؛ فنحن نعاني الآن حالة من الانحلال الأخلاقي لأن ضمائرنا أصبحت ضعيفة، وكذلك الانفتاح الزائد على المجتمعات الخارجية الذي توفره كافة وسائل الإعلام دون وجود ضوابط لمثل هذه الأشياء.
ويؤكد ليلة على أن لجوء هؤلاء الشباب إلى مواقع الإنترنت لتوعية الشباب بمشاكل مجتمعهم يُعدُّ أمرًا ذا أهمية؛ حيث إنهم عرفوا أكثر مكان محبب ويتواجد به الشباب ألا وهي شبكة الإنترنت، لهذا فإن مثل هذه الحملات تسمع لها صيتًا عاليًا وسط مجتمع الشباب، فترى من يقرأ عن هذه الحملة “لو كانت أختك” يبدأُ بالتفكير وعمل حوار بينَه وبين نفسه لماذا ألجأ للتحرش؟ ماذا لو كانت هذه أختي فعلًا كيف سيكون رد فعلي؟ وغيرها من الأسئلة التي تجده يطرحها على نفسه، وتجده بعد هذا يبدأ الإصلاح من نفسه أولًا