كتب: شريف أحمد
مدونة العدل للجميع
ونعود لنتحدث عن ليلى مرة أخرى ، وقد تحدثت عنها مرارا وتكرارا في أكثر من مناسبة إما بشكل دوري كعادتي مثل هنا أو هنا ; بشكل مرتبط مباشرة بحملة كلنا ليلى أو بشكل مرتبط بقضية بعينها .في النهاية نحن نتحدث عن شئ واحد ، هل لليلى حرية ؟ وما مدى الحرية ؟ وهل هي محدودة بحدود مثل التي تحد حرية الرجل ؟ أم أن للرجل سقف أعلى ؟ ماذا لو أخذت ليلى حريتها ؟ ماذا لو أساءت استخدامها ؟ أليس الأولى دفع الضررمن جلب المنفعة ؟
هذا الأسئلة أسميها أسئلة القاع ، بمعنى أن كل الصراعات بين الرجال والنساء تهدف للبحث عن إجابة لسؤال مفاده هو ماذا لو أخذت ليلى حرية مثل الرجل ، ماهي توابع ذلك عليها وعلى الرجل في حياتها وعلى أطفالها وأسرتها وعلى زملائها في العمل وعلى جيرانها وعلى كل من حولها ؟ أليست تلك هي القضايا التي تقلقنا ؟
الطلاق والخلع …مثالا
الطلاق حق من حقوق الرجل الثابتة بالكتاب والسنة مثلا ، ورغم أن كثيرا من الرجال أساءوا استخدام الطلاق ، فطلقوا لهوى في أنفسهم وشجوا اواصر أسر لنزوة عابرة أو مصلحة ما ، ومنهم من طلق في غضب أو رد فعل ، ومنهم من طلق لهوا وعبثا مستخدما كلمات الطلاق الحساسة جدا في لغته اليومية ومداعباته العادية ، وهكذا …
أساء الرجال استخدام الطلاق كثيرا ..عشرات الآلاف منهم فعل ذلك …لكننا أبدا لم نطلب بنزع الحق كلية منهم فلم يخرج خارج علينا ليقول : بما أن رجالا كثيرين أساءوا استخدام الطلاق فمنعا للفتنة يتم نزع الحق منهم ورده للقاضي أو الدولة ولا ينبغي لرجل أيا كان ان يباشر الطلاق لفظا وبشكل مباشر ولو وقع منه هذا ، لم يعتد به لم يقل أحد بهذا..
في المقابل هناك الكثيرون من الرجال الذين سعوا للحفاظ على البيوت حتى في حالات يكون الطلاق فيها أفضل ويكون الرجل فيها متنازلا ، لكنه يفعل هذا لمنع فصام الأسرة وتشتتها …وأنا هنا لست بصدد مناقشة متي ينبغي أن يكون طلاقا ومتى لا ينبغي …بل أقول وبشكل مجرد ..الطلاق كحق للرجل …لم يكن حقا يحسن الرجل استخدامه في كثير من الأحوال بل يسئ استخدامه في حالات عديدة ومنها أن تكون المرأة لا تريد الطلاق أصلا ولا تحب الانفصال
ومن الطلاق نتحدث عن الخلع …حق المرأة في تطليق نفسها بنفسها ، بخلع نفسها من عقد الزواج الأصلي ومن الزواج عموما …لازلت أذكر حجم الاعتراضات على هذا الحق الثابت بالسنة الصحيحة ، فكم من الرجال وخاصة رجال الدين تحججوا وقالوا لو تم منح النساء هذا الحق لأفسدوا بيوتهن بأنفسهن ولهدموا منازلهن على رؤوسهن في هوى أو رغبة ولذا توجب منع الحق كله حتى لو علمن ان الكثيرات سيحسن استخدام الحق
كم من النساء أسأن استخدام الخلع وكم من الرجال أساءوا استخدام الطلاق ، لا تهمني الأرقام – إن وجدت – بل يهمني توحيد المنظورلو أن المرأة يخشى منها وعليها أن تسئ استخدام حق فيتم منعهه إياها ، فعلي نفس
القاعدة أن تسري على الرجال بالكلية ..ولكنها …لا تسري…فلماذا ؟ ، ثم ننسب الأمر لأقوال ومذاهب ، بينما الأمر محسوم في النصوص وفي فعل النبي ذاته عليه الصلاة والسلام
يجب علينا أن نعرف أن قاعدة ” لا تعطي المرأة حرية أكثر فتسئ استخدامها ” هي قاعدة سارية على الرجل كذلك ، فالأولي نبذ هذه القاعدة بالكلية والتعامل بشكل موضوعي معها
لا أقول أن كل البيوت متشابهة ولا ينبغي ذلك ، بل أقول أن القاعدة لا تسري ولا تصلح نقطة نقاش ولا انطلاق ولا ارتكازقد تكون المرأة قليلة النضج أو الرجل كذلك وقد يسيئان استخدام الحق بصور عدة أيا كان صورة الحق هذا وأيا كانت صورة سوء الاستخدام لكن الحرمان الكلي للحق لا يصلح ..فهو يعارض مقاصد الشرع الأساسية بما فيها حرية الاختيار في العقيدة في الأساس فكيف بما هو أدنى ؟تحدثت في حق واحد ، حق انهاء
العلاقة الزوجية.
وهناك حقوق عدة ..مثل حقها في اختيار الزوج وحق العلم وحق العمل وحق التنقل وغيرها
كلها حريات شخصية وكلها هامة
قد يقول قائل الرجل يعمل لانه يجب ان يعمل والمرأة تمكث في بيتها
وأقول له دع المرأة تختار ، فقد يكون عملها انفع من عملك ، وقد يكون خير عملها مردوده على الناس أفضل منك …فضلا عن أن هي صاحبة الحق تصنع به ما شاءت ….وليكن كل شئ بالتراضي فلو طالبتها بالالتزام بشئ فلتلتزم انت أيضا ، ومن أفضل ما سمعت في هذا السياق ، سياق الالتزام المتساوي بالحقوق والواجبات بين الجنسين قول ابن عباس: (والله إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي)
أعرف أن بعض الرجال يحبون أن يتعاملوا مع النساء كشريكات حقيقيات في المجتمع ولكن بعضهم يقول أن الكثيرين من الرجال يستغلون هذا فيحاولون استغلاله ، بل وأزيدهم بأن أقول أني أنا شخصيا أود لو أن شوارعنا وبيوتنا وأماكن عملنا آمنة للنساء فالمرأة أكثر عرضة للخطر اليوم في كثير من الشوارع بينما هي أكثر أمنا علي نفسها ومالها وعرضها في دول أوروبا وأمريكا …والحل ليس منع الحق وتقييد الحرية ، لأن الأصل هو الحق والحرية ولكن لا مانع من الحماية والاطمئنان وتوفير بيئة آمنة ما استطعت ، أنا شخصيا لا أنكر أني أخاف علي أهل بيتي من وحشية الشارع وجنون بعض السفهاء فيه ، لكن خوفي هذا وإن كان مبررا يجب ان تتبعه مسئولية، تبدأ أولا بإعطاء الحق لصاحبة الحق وعدم انكاره عليها ، ثم البحث معها لا ضدها عن اساليب لتحصل على هذا الحق وهذه الحرية ، فلو كان الهدف هو الحماية لا يجب ان يتحول الي منع ، ولأننا جميعا نجتهد فقد نسئ ونخطئ ..ولكن يظل المبدأ الثابت ..أن حريات المرأة ليست استثنائية ، وأنها
أصيلة وأنها وفوق كل ذلك ..ممنوحة من الله لها ..لا فضل لرجل في ذلك …ولا أمرأة
ومالي أكثر الحديث وقد حسم الله الأمر فقال : {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].