بقلم: نولة درويش
نسميه عندنا “ممارسة الجنس”، أو “الجنس” فقط؛ وفي بلدان وثقافات أخرى يسمونه “ممارسة الحب” (بالإنجليزية: to make love وبالفرنسية Faire l’amour) وذلك على سبيل المثال لا الحصر لأن معرفتي باللغات الأجنبية تنحصر عند هذا الحد، وربما توجد أمثلة أخرى في ثقافات مغايرة لا أعلمها. وحينما يشيرون إلى ما نسميه نحن “ممارسة الجنس”، فإنما يستعملون تعبيرات أخرى أكثر وقاحة وأكثر تقليلا من شأن النساء. المعنى الأول المشار إليه في بداية هذه الفقرة، أي حصر ممارسة تلك الحميمية في كلمة “الجنس”، قد تتدنى بنا إلى عالم الغرائز البحتة التي لا ترقى أحيانا إلى عالم “الحيوان”. وعليّ أن أعتذر هنا عن هذا التعبير، فالحيوانات لها مشاعر، ممكن أن نجدها في قطة، أو كلب (وهي الحيوانات المنزلية الأليفة عندنا)، ولكن أيضا في حمار، أو فيل، أو في عوالم حيوانية أخرى تعرف كيف تتغزل في الرفيقة أو الرفيق حتى يرضى بحدوث الجماع الذي أعتبره شخصيا المستوى الأرقى للإفصاح بالحب من الجانبين.
ولكن.. كم من امرأة وجدت نفسها تضطر إلى أن تمثل الرغبة، والانتعاش، والارتواء، والاكتفاء، والانغمار، إلخ. وتلك أبسط الأحوال، لأنها نابعة غالبا من إحساس بالحب لا يريد أن يصيب مَن أمامه بالإحباط، أو بالشعور بالعجز. بينما المسألة تكون أكثر تعقيدا حينما ترضى المرأة بالممارسة الجنسية بدافع الحب، ولكن حالتها النفسية، أو الجسدية، أو كلتاهما معا، غير مؤهلة لذلك. فكثيرا ما تفكر نسائنا – في سياق مجتمع يؤكد على تلك القيم ويكرسها بالطرق كافة – أن ذلك واجب عليها حتى تحتفظ بزوجها أو رفيق حياتها، وتحظى في الوقت نفسه بالرضاء المجتمعي؛ هذا، حتى وإن كان لا يحقق لها السعادة أو يؤدي – على العكس – إلى الإضرار بها على أي من المستويات. كم منا عاشت هذه الحالة، بعضنا بحالة من النفور، والبعض الآخر مع إحساس بأداء الوجب، وأخريات بغرض تأدية فريضة تم إملاؤها عليهن باسم العادات والمعتقدات!
ومع ذلك، هناك حالات قصوى – وهي الأقسى – حينما يفرض على امرأة أن تتقاسم فرشة رجل رغم إرادتها، ثم يضاجعها غصب عنها، حتى وإن أظهرت له رفضها وتقززها منه وربما تفضيل الموت عن البقاء معه. لقد قمت باستعمال تعبير “غصب عنها” عن عمد، لأن هذا التعبير يشير بوضوح إلى كلمة “الاغتصاب”، أي إلى شكل من أشكال العنف الجنسي الذي يتم رغم إرادة الطرف الآخر وبطبيعة الحال يؤذي الضحية، ولا أعتقد أنه يمكن أن يكون مرضيا للمغتصِب؛ اللهم إلا إذا كنا أمام حالات مرضية أو مبررات لإرضاء الشهوة الغريزية بأي ثمن، ومهما تكلفت للطرف الآخر.
أتذكر هنا أننا عرضنا منذ بضعة سنوات فيلم كان يتناول موضوع الاغتصاب الزوجي؛ وكنا نشعر بحذر شديد ونحن نعرض هذا الفيلم على مجموعة من النساء من أوساط بسيطة، وقد خشينا ردود أفعالهن لهذا “الفُجر” الذي نتجرأ على عرضه ثم مناقشته. ولكن المفاجأة المذهلة بالنسبة إلينا، أن هؤلاء النساء اللاتي كنا نخشى منهن، هن اللاتي وقفن ليقلن أن الأمر يحدث في كل بيت، وأنهن يعانين معاناة شديدة منه؛ فمن الواضح أن هناك عدد لا يستهان به من الرجال الذين يظنون أن المسألة مجرد “ممارسة جنس” لإثبات فحولتهم بغض النظر عما تشعر به شريكاتهم في الممارسة، أو إن كن شريكات بالفعل أو مفعول بهن بكل معاني الكلمة.
العلاقة بين شخصين، سواء كانت زوجية أو غير ذلك، لا يمكن أن تُبنى على إرضاء طرف على حساب الطرف الآخر؛ وأعتقد أيضا أن الطرف “المنتصِر” لا يمكن أن يكون منتصرا حقيقيا إن كان منتصرا وحده وإن كان منتصرا حقا، فالانتصار يحتاج إلى عزوة تتقاسم معنا انتصاراتنا وفرحتنا معا، إلا لو اقتصرت هذه العزوة على شلة الأصدقاء الذين نتباهى بينهم بذكوريتنا الطاغية التي مكنتنا من الفوز ببكارة أو بجزء من روح واحدة. إنها حالة مثلى من الاغتصاب، أي من ممارسة العنف ضد طرف إما أنه يعتقد أن هذه هي سنة الحياة، أو أن المجتمع المحيط لا يسمح بغير ذلك، أو أن القبول أو الرفض لا يهمان في هذه الحالة لأنه حق مكتسب.
والواقع أن الاغتصاب ليس حقا مكتسبا أينما حدثت ممارسته، في البيت، أو في الشارع، أو في العمل، أو في أي من المؤسسات؛ ولكنه حق اغتصبه البعض على حساب البعض الآخر، بالضبط كما حدث – وما زال يحدث – في حق بعض الشعوب؛ فالأمر لا يختلف كثيرا. وفي هذه الأيام التي ينتفض فيها العالم أمام ممارسة العنف ضد النساء بجميع أشكاله، فقد آن الأوان كي يعيد كثير من الرجال حساباتهم، ليس فقط لاكتساب حب النساء، ولكن – وهو الأهم – لاستعادة إنسانيتهم أمام أنفسهم.