تبدي المنظمات الموقعة أدناه قلقها من مدى جدية الحوار المجتمعي الجاري الذي تقوم به الجمعية التأسيسية للدستور حول مشروع الدستور الجديد وذلك عقب مشاركتها في جلسة استماع نظمتها لجنة الاقتراحات والحوارت والاتصالات المجتمعية بالجمعية التأسيسية صباح يوم 22 يوليو الجاري. وقد تولد انطباع لدى الحضور بأن المسألة شكلية في المقام الأول ترتبط بعمل اللجنة الداعية للاجتماع باعتبارها من لجان العلاقات العامة التي أسندت إليها مهمة التواصل مع شتى الشرائح الاجتماعية والمجموعات بما فيها المجتمع المدني للوقوف على الآراء من ناحية، وللتأكيد على الصفة التمثيلية للجمعية التأسيسية من ناحية أخرى.
وعزز هذا الانطباع ما يتم تداوله الآن من أخبار ومعلومات بأن غالبية مواد الدستور جاهزة بصياغة نهائية وأن الدستور برمته سيعرض على الشعب في استفتاء خلال شهر ونصف من الآن. كما تخشى المنظمات الموقعة من أن يكون هذا هو مجمل هدف اللجنة من عقد اجتماعات وجلسات استماع شكلية من أجل تحسين صورة الجمعية التأسيسة للدستور وإعطاء انطباع بأن دستور مصر القادم قد شارك في وضعه كافة أطياف الشعب ومن ضمنهم المنظمات الحقوقية. وهو ما ظهر بجلاء في طرح السادة أعضاء اللجنة أجندة مقترحة لجلسة الاستماع تميزت بالعمومية وعدم التركيز على جانب الحريات والحقوق بحيث اشتملت على أسئلة خاصة بمستقبل شكل نظام الحكم ووضع مجلس الشورى في الدستور الجديد والعلاقات المدنية/العسكرية ووضع رئيس الجمهورية في مواجهة المؤسسة العسكرية علاوة على الحريات والحقوق كبند أخير ورد ضمن الأسئلة المقترحة لجلسة الاستماع. وقد أشاع هذا الأمر الكثير من الخلط في أوساط المدعوين حيث لم يظهر بوضوح ما إذا كانت الدعوة قد وجهت إليهم للحديث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دستور البلاد ما بعد الثورة أم أنها قد وجهت إليهم بوصفهم ممثلين عن المجتمع المدني المصري على اتساعه لإبداء آرائهم في مختلف القضايا المستقبلية للبلاد وعلى رأسها المسائل السياسية لا الحقوقية بالأساس. وحتى انتهاء جلسة الاستماع لم تتم الإجابة على هذا السؤال. وهو أمر بالطبع إن ثبتت صحته يعتبر غاية في الخطورة، ويعد امتدادا لذات المثلب الذي عاب الحوار السياسي والنقاش المجتمعي برمته في الفترة الأخيرة من حيث انصباب الاهتمام في مجمله على القضايا السياسية الماسة بطبيعة نظام الحكم وشكل الدولة على حساب القضايا الحقوقية.
ومن ناحية أخرى، عكست مداخلات المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان خلال الجلسة الاهتمام بمختلف الحقوق فركز بعضها على الحقوق المدنية والسياسية والبعض الأخر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وقد تمخض عن هذه المداخلات التقدم بالعديد من المواد المقترحة وإيداعها لدى لجنة الاقتراحات والحوارات والاتصالات المجتمعية بغية عرضها على لجنة المقومات الأساسية بالجمعية التأسيسية.
فبالنسبة للحقوق المدنية والسياسية، أكدت المنظمات على ضرورة احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين كحريات التنظيم والاجتماع والحريات النقابية، و تجريم التمييز، وتضمين المساواة أمام القانون، وكذلك حرية الرأي والتعبير وحق إصدار الصحف ومنع أي أشكال للرقابة الإدارية عليها، فضلا عن حرية تداول المعلومات. وتقدم بعض الحضور بمواد مقترحة تضمن إطلاق هذه الحريات على نحو يجعل التقييد هو الاستثناء. وأكد الموقعون على أن يكون النص الدستوري مطلقا وألا يحيل لأي عبارات مبهمة كالنظام العام وألا يحيل تنظيم ممارسة الحريات للقانون، باعتبار أن هذه الصياغات، والتي كانت غالبة على دستور ١٩٧١ الملغى، كانت تفرغ النص الدستوري من محتواه، وتطلق يد المشرع في وضع كافة أشكال القيود على ممارسة الحريات. وتقدم بعض الحضور بمواد مقترحة فيما يتعلق بحقوق النساء باعتبار أن دستور ١٩٧١ قد أتى مغفلا لها بالكامل، وركزت المداخلات على ضرورة الإشارة بجلاء وصراحة إلى التزامات مصر الدولية في هذا الشأن، وإلى تضمين بعض المواد الإشارة الصريحة للمواطنين رجالا ونساء أسوة ببعض الدساتير التي تولي اهتماما بالمساواة وعدم التمييز على أساس النوع.
وشددت المنظمات الموقعة على ضرورة أن يضمن دستور مصر القادم مبدأ استقلال القضاء وعلى وجه الخصوص المحكمة الدستورية العليا عن طريق حظر تدخل السلطة التنفيذية في عملها من حيث تشكيلها، بالاضافة إلى نقل صلاحيات التفتيش على أعضائها للمجلس الأعلى للقضاء الذي يقوم بتسيير كافة شئون العدالة باستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. وأكدت المنظمات على حق المواطن في المحاكمة أمام قاضيه الطبيعي وإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وحق المتهم في التعويض عن أخطاء العدالة بالإضافة إلى وضع القيود على اعلان حالة الطوارئ وتقليص دور السلطة التنفيذية في استخدامها بالرقابة على إجراءات وحالات فرضها من المجالس النيابية المنتخبة. كما أكد الموقعون على ضرورة أن يضمن دستور مصر القادم استقلالية وحياد المؤسسات الدينية عن السلطات السياسية بحيث لا يتدخل كل منهما في عمل الأخر.
وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكدت المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه على ضعف الاهتمام بهذه الحقوق فى حوارات النخب السياسية وأعمال اللجنة التأسيسية التى تركز على شكل الحكم ومقومات الدولة وغيرها دون الالتفات الى اهمية تضمين الدستور الحقوق التى تتصل بحقوق المواطنين فى الغذاء والسكن والعمل والرعاية الصحية والبيئة النظيفة .. وهى احتياجات عبرت عن نفسها فى شعارات ومطالب ثورة 25 يناير .
كما شددت المنظمات على ضرورة تضمين الدستور الحقوق الخاصة بالفئات النوعية المختلفة من النساء و الأقليات و ذوي الإحتياجات الخاصة، فضلا عن التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. واتفق الموقعون على نقطتين رئيسيتين الأولى منهما أن مواد دستور ١٩٧١ الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية متقادمة وغير كافية إذ أن صياغتها غالبا ما كانت مبهمة وغامضة، علاوة على إغفال ذكر حقوق راسخة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالحق في السكن الذي لم يرد بحال في الدستور الملغى. كما أن ثمة جيلا جديدا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد نشأ في الثلاثين سنة الماضية كالحق في المياه والحق في الأرض والسيادة الغذائية وغيرها مما لم يرد به ذكر من قريب أو من بعيد في دستور ١٩٧١. وتليق بدستور يكتب للبلاد في أعقاب ثورة اجتماعية كتلك التي شهدتها مصر في يناير ٢٠١١ أن يأتي عاكسا لتلك الطموحات. ومن ثم فقد كانت المداخلات في عمومها تتحدث عن ضرورة تغيير المواد الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالأخذ في الاعتبار التجارب الدستورية لبلدان كجنوب إفريقيا والبرازيل وبوليفيا.
أما النقطة الثانية محل الاتفاق فقد كانت الحاجة الماسة للتفصيل والإسهاب عند صياغة النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بحيث يتم ذكر التزامات الدولة إزاء المواطنين على نحو من الوضوح والتفصيل مما يمكن المواطنين من الاستناد لهذه المواد في مطالبتهم الدولة الوفاء بحقوقهم. وجرت الإشارة إلى التجارب الدستورية لبلدان مختلفة ضمنت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بكثير من التفصيل بحيث أفردت فصولا بأسرها لكل حق من الحقوق.
المنظمات الموقعة:
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان
مركز هشام مبارك للقانون
مركز دعم التنمية
مؤسسة المرأة الجديدة
تحالف المنظمات النسوية