كان من المنتظر بعد ثورة 25 يناير والتي دفع الشعب المصري – رجال ونساء- حياتهم فيها ثمنا من أجل تحقيق العدالة و الحرية والكرامة أن يأتي دستور يعبر عن هذه المطالب، دستور يشارك في صياغته الشعب المصري عبر جمعية تأسيسية ممثله لكل الشعب بدون تمييز على أساس الدين والجغرافية والنوع، لكن ما حدث بخلاف ذلك تماما. فقد تم اختطاف الجمعية التأسيسية والدستور، واستبعاد كل من يختلف مع “الإخوان المسلمين” وحلفائهم من “السلفيين”، وخرج دستور يعبر عن هذا التيار فحسب، والاستدلالات على ذلك كثيرة، لكن سوف أركز في السطور القادمة على ما يتعلق بالنساء. فقد تم إقصاء النساء من تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى والثانية، عدا تمثيل محدود أغلبهن من “الإخوان المسلمين”، بينما كانت مطالب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني إقرار مبدأ المناصفة، فالنساء أكثر من نصف المجتمع من الناحية السكانية، ويمتلكن الخبرات المهنية والسياسية للقيام بهذا الدور، كما خرجت مواد الدستور تكرس لثقافة التهميش والإقصاء والتنميط التي عانت منها النساء على مدى عقود طويلة.
نصت المادة 9 من مشروع الدستور على “تلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، دون تمييز”، هذه العبارات الإنشائية الفضفاضة لا توفر حماية، وكان يتعين على القائمين على إعداد الدستور الحالي إضافة نص واضح يقر إنشاء آلية لتكافؤ الفرص وعدم التمييز بها آليات محددة لتقديم الشكاوى وعقوبات لمن يمارس التمييز ضد النساء.
كما أشارت المادة (10) في أحد فقراتها إلى “وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام وتولى الدولة حماية وعناية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة”، تكرس هذه المادة لنفس الأدوار النمطية والتقليدية للنساء، وتؤكد على أن الدور الإنجابي ورعاية الطفل هي مسئولية النساء فحسب، بينما هو في الأساس مسئولية مجتمعية، و كان يتعين أن تنص المادة بشكل واضح على ضمانات وتدابير و إجراءات حقيقية من أجل تمكين النساء والرجال من القيام بواجباتهم الإنتاجية والأسرية، وأن تتضمن المادة نص واضح يلزم الدولة بإقرار آلية وطنية لمناهضة العنف ضد النساء.
كما اغفل مشروع الدستور في بابي الحقوق والحريات جميع الحقوق التي تخص النساء، فأغفل مشروع الدستور الحديث عن آلية تضمن تمثيل عادل للنساء في المجالس النيابية المختلفة، كما لم يتم الحديث عن دور الدولة في توفير الرعاية و الخدمات الخاصة بالصحة الإنجابية، بالإضافة لذلك لم تنص المادة (70 ) على رعاية المصلحة الفضلى للطفل وعدم التمييز، كما لم تنص على حظر زواج الأطفال، وارتبطت هذه المادة بالمادة (73) التي لم تنص على حظر الاتجار بالبشر، و اكتفت بحظر الاتجار بالجنس فحسب، وفي حالة التصويت بنعم على الدستور وإقراره يصبح من السهل الطعن بعدم دستورية المادة ( 31) مكرر في قانون الأحوال المدنية التي حددت سن الزواج للجنسين إلا يقل عن 18 عاما، و إلغاء المادة التي تجرم ختان الإناث، أيضا قانون 64 لسنة 2010 الذي يجرم الاتجار بالبشر، وهو أوسع نطاقا وأشمل من مجرد الاتجار الجنسي حيث يشمل الاتجار بالبشر كل أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الرجال والنساء والأطفال منها الاتجار في الأعضاء، والإجبار على مهن معينة مثل التسول، والاتجار بالنساء عن طريق زواج القاصرات وهو في الأساس يجعل الفتاة مجرد سلعة تباع لمنع يدفع الثمن
ولا يمكن لنا أن نقرأ هذه المواد المنصوص عليها في مشروع الدستور بمعزل عن الهجوم الذي قام به نواب ونائبات في البرلمان من “الإخوان” و”السلفيين” على القوانين التي استطاعت أن تحصل عليها النساء عبر نضال طويل مثل التعديلات الجزئية الخاصة بقوانين الأحوال الشخصية (الخلع – الولاية التعليمية)، ومطالبة نائبات حزب الحرية والعدالة بإلغاء المواد التي تجرم ختان الإناث، والجدل الذي دار حول إضافة عبارة تجريم “الاتجار بالبشر”، وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة، وأعلن العديد من الشيوخ السلفية عن موافقتهن على زواج الفتيات في سن صغير.
فجاء مشروع الدستور معبرا عن مواقفهم المعادية للنساء والتي تسعى لإقصاء النساء وحقوقهن، والعودة إلى الوراء آلاف السنين.
فعلينا جميعا أن ندرك أن نعم للدستور تعنى خطوة أولي للانقضاض على جميع المكتسبات التي استطاعت أن تحصل عليها ليس النساء فحسب بل المجتمع بأسره، عبر نضال طويل، ونعم للدستور تعنى لا للمواطنة ولا للعدالة الاجتماعية ولا للحرية والكرامة، يعنى ثورتنا تضيع، ودم شبابنا وشاباتنا هيروح هدر.