يواجه مشروع قانون جديد حول العنف ضد النساء انتقاداتٍ واسعة ويثير جدلاً متصاعداً بين الموريتانيين. فمنذ إعلان الحكومة عنه انقسمت الآراء حوله بين من يرى أنّه ضروري لمواكبة تغيرات المجتمع، وبين من يرى أنّ إقراره مخالف للشريعة ويقوض المنظومة الأخلاقية للمجتمع.
يعتبر القانون الجديد أهم تحديث حقيقي لمدونة الأحوال الشخصية في موريتانيا منذ إنشائها، فهو يمنح النساء حقوقاً موسعة ويفرض عقوبات قاسية بحق من يرتكبون اعتداءات لفظية أو جسدية أو معنوية بحقهن، ويعاقبهم بالإعدام والجلد والنفي والسجن والتغريم.
من بين أكثر مواد القانون إثارة للجدل المادة التي تنص على معاقبة أولياء الأمور الذين يُزوّجون بناتهم قبل سن الثامنة عشرة، فقد استأثرت هذه الفقرة باهتمام كبير من قبل الموريتانيين سواء الرافضين لها والذين يعتبرون أنّها تخالف تعاليم الإسلام الذي يربط الزواج بالأهلية فقط من دون تحديد سن معين، أو من يعتبرونها غير كافية ويطالبون بإلغاء شرط الولي في الزواج ومنح المرأة حق تزويج نفسها.
يعاقب القانون بالإعدام كلّ من يرتكب جريمة زنا المحارم، أو الاغتصاب إذا كان المتهم محصناً (متزوجاً)، كما يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة مالية كلّ من يتحرش بامرأة عن طريق أوامر أو تهديدات وإكراه لغاية الحصول على امتيازات جنسية، فيما يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كلّ من يتحرش جنسياً بامرأة خلال توليها عملاً منزلياً.
يقضي القانون بمعاقبة كلّ مسلم بالغ ذكراً كان أو أنثى ارتكب جريمة الزنا طواعية بشهادة أربع شهود أو بالإقرار أو بالحمل، بمائة جلدة أو الحبس لمدة سنة، ويعاقب من شهرين إلى خمس سنوات سجناً كلّ زوج سبّب بإرادته ضرباً وجروحاً أو مارس العنف على قرينه، سواء كان بدنياً، أو معنوياً، أو نفسياً. وفي حال حجز الحرية يعاقب من شهرين إلى سنتين حبساً.
ويمنح القانون الجديد المرأة الحق في ممارسة حريتها في الخروج والقيام بأي نشاط ترغب فيه، في أي وقت من دون إذن من زوجها. ويعاقب بالسجن سنة أو سنتين كلّ زوج يمنع أو يقيّد زوجته عن ممارسة حريتها العامة. كذلك، يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى نصف مليون أوقية (1390 دولاراً أميركياً) كلّ زوج يعرّض زوجته إلى ممارساتٍ لا إنسانية، مثل الضرب والإهانة. ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية كلّ من علم بعنف قائم على النوع ولو عن طريق المحاولة، من دون الإبلاغ عنه.
في الوقت الذين احتفى فيه المدافعون عن حقوق النساء بالقانون الجديد واعتبروه خطوة مهمة في اتجاه المساواة بين الجنسين وإقرار حقوق المرأة، انتقد الشيوخ والفقهاء القانون الجديد، واعتبروا انّه يتجاهل الخصوصية الثقافية والقيمية لموريتانيا، وينتصر للحركات النسوية من دون مراعاة مبادئ الشريعة الإسلامية.
في المقابل، ودفاعاً منها عن القانون الجديد، قالت وزارة العدل إنّه يتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها موريتانيا في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، وإنّه يضمن صيانة الحقوق المشروعة للمرأة بفضل إجراءات وقائية وأخرى رادعة لممارسي العنف ضد النساء بشتى أصنافه. واعتبرت أنّ الخوف من القانون الجديد غير مبرر، إلاّ بالنسبة لمن لديهم نيّة مبيّتة لانتهاك الحقوق الأساسية للنساء.
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي سيد أحمد ولد الناجي إنّ المجتمع الموريتاني مجتمع تقليدي ومحافظ له أحكامه وأعرافه التي لا يمكن أن يتخلى عنها بسهولة ليقبل بقوانين تجرّم زواج القاصر ما دون سن الثامنة عشرة، وتعاقب الزوج الذي يمنع زوجته من الخروج أو القيام بأي نشاط ترغب فيه وفي أي وقت. ويشير إلى أنّ القوانين الموريتانية تحتاج إلى تحديث عاجل لتواكب العصر خصوصاً تلك المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء وهي أكثر مواد القانون الجديد أهمية بالنسبة للمجتمع ككل ولا اعتراض عليها. يعلق: “هناك اعتراض على باقي مواد القانون بسبب انتقاد الشيوخ المحافظين لها ممن اعتبروا أنّها تتضمن فقرات تُخالف الشريعة الإسلامية، كفقرة تجريم زواج القاصر”. لكنّه يقول لـ”العربي الجديد” إنّ من الضروري إطلاق حملات توعوية لشرح مضامين القانون.
بالرغم من أهميته، واجه القانون معارضة شديدة في البرلمان وأثارت جلسات مناقشته جدلاً حامياً بين النواب الذين طالبوا بتعديل بعض المواد. وبعد شد وجذب تعهدت الحكومة بمراجعة المواد والفقرات التي أثارت الجدل بما يضمن عدم مخالفتها الشريعة الإسلامية.
العربي الجديد