عن مركز دراسات النساء
عماد الدين رائف
العنف ضد المرأة، عرفته المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون أول عام 1993. وقد ورد هذا التعريف في الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995 إذ جاء فيها، “العنف ضد النساء هو أي عنف مرتبط بنوع الجنس، يؤدي على الأرجح إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، والحرمان من الحرية قسراً أو تعسفاً، سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحياة الخاصة. حكايات مخيفة لنساء يتعرضن لكل أشكال العنف ضد المرأة في لبنان يروينها بأنفسهن
ملاك في مواجهة المجتمع
ظنّت ملاك، ككثيرات، أنها ستسعد بزواجها من رجل ميسور مادياً. رفضتها عائلة الزوج منذ البداية، فكانت تتغاضى عن ذلك ظنا منها أنها ستكون تحت حماية الزوج وفي حصنه. فما الذي حدث بعد ذلك؟
تجلس إلى الطاولة فتأخذ حيزا بسيطاً من الكرسي، تغمض عينيها، تطوي يديها النحيلتين بما يشبه جلسة تلميذة في الصف، وتسترسل في ذكريات عن أحداث ما زالت تعاني لغاية اللحظة من تداعياتها. تقول ملاك: بدأت أتعرض إلى الضرب على يد زوجي منذ المراحل الأولى من زواجنا، فكان يمسك برأسي وشعري ويضربني بالحائط. ثم تعدى ذلك إلى عزلي داخل البيت، فصار البيت شبيه بالمعتقل، وقطع عني أي اتصال بأهلي
الذين يسكنون بعيداً عني. طلبت الطلاق أكثر من مرة، إلى أن أذعن الزوج فطلقها شفهيا، ولما كان هذا النوع من الطلاق يستدعي إثباته في المحكمة الشرعية التي ينتمي إليها الزوج، كان عليها أن تتوجه إلى تلك المحكمة بعد أن انتقلت للعيش مع أهلها تاركة بيت زوجها.
تشرح ملاك عن معاناتها الطويلة التي ما تزال مستمرة مع المحكمة الشرعية، فتقول : لا يطلق القاضي غيابيا، ويجب إرسال تبليغ إلى الزوج ليحضر كي يتلفظ أمام القاضي (بالطلاق، وإلا فلا طلاق. وقد أرسلت المحكمة المباشر (وهو موظف يعمل كمراسل دعاوى إلى الزوج الذي رفض استلام التبليغ بحيلة منه، إذ ادعى أنه شخص آخر، وبالتالي فقد ذهبت إلى المحكمة ولم يحضر. فكان علي أن أنتظر خمسة أشهر أخرى كي يثبت طلاقي.
كل تحرك تجاه الزوج داخل المحكمة يحتاج إلى رفع دعوى إلى القضاة، فبعد أن أثبتت طلاقها، كان عليها أن تتحرك باتجاه المطالبة بنفقة ابنها، تقول : بعد دعوى النفقة أقر لي القاضي 150 ألف ليرة شهريا (حوالي 100 دولار أمريكي)، كنفقة لابني، وقال لي: إنها نفقة جيدة، علما انه لا يخفى على أحد أنه يكلف فعليا أكثر من ثلاثمائة ألف ليرة شهريا، لا سيما وأن الطفل يعاني من مشاكل نفسية تقتضي زيارة أخصائيين يتابعون حالته، لكن النفقة تنظر إلى المأكل والملبس، والمسكن، كما يقولون. لكني أردت إثبات أن الزوج ميسور ماديا لترفع المحكمة النفقة، كي يعيش ابني في ظروف أفضل، فطلب مني القاضي أن أحصل بنفسي على الإثباتات التي تفيد ذلك، وفعلا توجهت إلى الإدارات الرسمية لأثبت ملكيته لعقارات ومحال وشركة، وكل تلك الأوراق الأصلية كانت تكلف مبالغ ضخمة، وبعد ذلك كان علي رفع دعوى، فحكم القاضي بمبلغ ثلاثمائة ألف ليرة كنفقة شهرية، لكن الزوج الذي لا يريد أن يدفع استأنف الحكم، وفي الجلسة قال شفهيا انه غير قادر على دفع هذا المبلغ دون أي إثبات، عندها غير القاضي حكمه وخفض النفقة إلى مائتي ألف، قال القاضي: كفايته مائتا ألف ليرة. جن جنوني، واضطررت إلى مواجهة رئيس المحكمة الشرعية، فقلت له: إذا كان لديكم تسعيرة فلماذا تعذبونني هذا العذاب كله؟ ثم كيف يمكن للرجل بكلمتين أن ينقض كل تلك الأوراق الرسمية الصادرة عن الدوائر؟ تحت أي عنوان ينزل تخفيضكم لنفقة الطفل، هل هو قانوني أم شرعي؟ أعطني مبرراً واحداً لذلك. فكان جوابه: ارجعي ارفعي دعوى جديدة بزيادة النفقة!.
هذا مع المحكمة والزوج، أما فعلا كيف تدبر ملاك مصاريف حياتها وحياة ابنها، فتجيب: صبرت لثلاث سنوات لعل القضاء ينصفني، فيعطيني حقي الطبيعي في نفقة عادلة تكفي مصاريف الطفل، وكنت خلال كل تلك الفترة استدين مبالغ ولم أقدر على تسديدها إلى أصحابها، وزوجي السابق يفعل كل ذلك بهدف إذلالي وقال لي ذلك مرة، لكن كما ترى فالمحكمة والمجتمع إلى جانبه، فقد صدر حكم من القاضي بإلزامه بدفع المؤجل من المهر لكنه ولغاية اليوم لم يدفع، أنا أستعمل الطرق القانونية لأحصل على حقي، لكنه يستعمل علاقاته بالقضاة وبالمحكمة وواسطات ليتجاهل كل حقوقي.
على الرغم من أن ردة فعل الوالد تجاه ولده كانت سيئة جدا، إذ حرمه من حياة أفضل، إلا انه لم يقف عند هذا الحد فهو كلما يأخذه إلى بيته ليراه كل يوم أحد يقع الطفل تحت تهديدات الوالد، من تخويف وتهديد وضرب، وعندما عرف أن ابنه يعالج نفسيا، صار الرجل أكثر تهديدا وتسلطا على الطفل. تضيف ملاك: في المحاكم يلزمونني بالإتيان بإثباتات في كل مرة، فآتي بها وهم يقولون أن الطفل قاصر ولا يعترفون بأقواله، يمكن تكون أمه علمته ماذا سيقول. أما عندما ابلغهم أن ابني تعرض للأذى كالضرب على يد والده، فيقولون: هذا أبوه معليش. وتبقى معاناة ملاك مستمرة…
عنف جسدي وجنسي
تتحدث مساعدات اجتماعيات قدر لهن العمل خلال السنوات الماضية مع حالات لنساء تعرضن لشتى أنواع العنف ضمن نشاطهن في مناهضة العنف ضد المرأة، في برامج منظمة “كفى عنفاً واستغلالاً” عرضن لما يتعدى خمسين حالة، منها ما كان تحت عنوان العنف الجسدي والجنسي، العنف الاقتصادي وتحرش جنسي بالقاصرات.
تعرضت ريتا للاغتصاب في عمر 11 سنة، تعايشت مع واقعها، حتى تزوجت. كانت تعتقد أن الزواج سيكون طريقها إلى السعادة، هروبا من واقع المنزل، فكان نصيبها أتعس، إذ كانت ليلتها الأولى جحيما، اغتصبها زوجها، وتكرر ذلك منه مرارا. عدا عن إساءات وتدخلات أمه التي كانت أحد أهم أسباب المشاكل بينها وبين زوجها، فقد حاول الزوج إجهاضها بالقوة بعد أن حملت بطفلها الأول.
بقيت على هذه الحالة في الشقة الفقيرة المؤلفة من غرفتين صغيرتين، كانت تتعرض للتهديد يوميا من قبل زوجها الذي يأتي بأفلام إباحية إلى المنزل فيجبرها على مشاهدتها ثم تطبيقها معه. ولم يكن يمنعه وجود الأولاد من ذلك، بل قام بإستغلال ذلك الأمر لتهديدها باغتصابها على مرأى ومسمع من أطفالها في حال رفضها لطاعته.
ساء وضع ريتا الصحي كثيرا، وكانت تعرف ضمنا انه ليس بإمكانها التخلص من الزواج من خلال القضاء، كما كانت تعتقد انه بما انها أم فيجب عليها أن تسامح وتضحي لمصلحة الأطفال. أما الزوج الذي يحصل على راتب منتظم من عملهفقلما صرف منه شيئا على مصاريف البيت.
ازداد سوء حالة ريتا الصحية، فقد تسبب لها الضرب المتواصل بإعاقة، إذ فقدت سمعها جزئيا (فقدان سمع متوسط) مما يمكنه أن يؤدي إلى فقدان سمع كلي، فالضرب كان يستهدف الرأس والرقبة، وغالبا ما كان يمسك برأسها ليضربها بالجدران، وكذلك ونتيجة للاغتصاب المتكرر تم استئصال رحمها بعملية جراحية.
النهار الوحيد الذي يسمح لها بالخروج فيه من المنزل هو يوم الجمعة، وذلك عندما ياتي ببعض المومسات إلى الشقة، فيطلب منها أن تخرج هي وأطفالها الأربعة إلى الطريق، ويقول لها : ضلك افتلي حتى خلّص. فإذا أتى باثنتين أو ثلاث من المومسات عندها كانت تعرف انه بإمكانها أن تبقى لفترة أطول خارج المنزل وكانت تقصد عندها مركز المساعدة الاجتماعية.
ادى التعامل بهذا الشكل من قبل الزوج ولمدة طويلة إلى مشاكل نفسية واجتماعية وسلوكية عند الأطفال، الذين شهدوا كل تلك الاعتداءات عليها من جهة، وتعرضوا للأذى على يد الأب من جهة أخرى. إن المساعدة الاجتماعية في هذه الحالة عملت على تقوية وتدعيم إمكانيات ريتا بغية الوصول إلى اخذ القرار بالمواجهة والدفاع عن كرامتها، حتى تستطيع أن تدخل في معركة المحاكم التي هي غالباً طويلة الأمد.
عنف اقتصادي – جسدي
يعتبر مصادرة الراتب الشهري، الحرمان من الحاجات الأساسية، الحرمان من الرعاية الصحية من طبابة ودواء ومن التعليم والعمل، أو الإرغام على العمل على التسول والدعارة، أو حتى عدم التصريح عن الراتب للزوجة؛ كل ذلك يندرج تحت عنوان العنف الاقتصادي. ومن حالاته “زهية”. فقد كانت الفتاة الجميلة ابنة الأربعة عشر ربيعا من نصيب ابن الأربعين الذي ابتاعها نتيجة صفقة ظنها والدها رابحة. أجبرها الزوج في
الفترة الأولى من زواجهما أن تتزيَّن وتساير أصحابه كنوع من الاستغلال الجنسي، ولم تكن لديه في تلك الفترة مشكلة في أن تزيد المسايرة عن حده
أما بينه وبينها فكانت العلاقة هي اغتصاب زوجي متكرر، والكلمة التي كانت تسمعها زهية منه بعد أن يشدها من شعرها كانت “هلق يعني هلق، ممنوع تفتحي فمك”. بعد مرور سنوات على هذه الحالة، ضعف الرجل أمام فارق العمر، فصار يأتيها بأدوية مهدئة، وأخرى تحتوي على مادة الكورتيزون، ويرغمها على تناولها.
فإن رفضت كان يزربها في البيت ولا يأتي بالطعام لا لها ولا إلى الأولاد، حتى تتناول تلك الأدوية. غالبا ما كانت تشعر بالذنب لأنه بسببها يتم حرمان الأطفال من الطعام فكان الزوج يتلذذ بأكل ساندويشاته على مرأى منها ومن أطفالها، فترغم نفسها على تناول تلك الأدوية التي زادت من وزنها حوالي 30 كلغ. ثم بدأ الزوج يبتكر أساليب لعقابها فقطع خط الهاتف كي لا تتحدث إلى أحد، وعزلها داخل البيت لمدة سبعة أشهر متواصلة عزلة تامة، ولم ياتها بملابس، فكانت تعمد إلى تحويل الشراشف وبعض القماش في البيت إلى ثياب لها وللأطفال.
تعتبر حالة زهية من الحالات الناجحة، فقد احتاجت إلى متابعة مكثّفة كي تتخلص من معظم المشاكل الجسدية والنفسية والاجتماعية التي ولدها العنف الزوجي لديها، ثم تنتقل إلى حالة أفضل إذ استحصلت على الطلاق وخضعت لحمية غذائية على يد أخصائيين ولمتابعة نفسية واجتماعية حتى استردت تقديرها لنفسها. فاستقلت بشقة صغيرة، وهي تعمل لتؤمن حياتها.
تحرش جنسي
تعرضت ريم لتحرش جنسي من مدير مدرستها، ثم من أستاذها في الصف، ثم من صديق أبيها. بعدها صارت الفتاة تقيم علاقات كاملة مع أخوتها الأصغر منها سنا، كما صارت تتعرض للضرب من قبل أخيها، الذي لم يفوت فرصة للتحرش بها جنسيا. عملت الفتاة في محل أبيها فصارت تسرق المال من غلة المحل، تعرفت إلى طريق الانحراف مبكرة، وكانت تمارس الجنس مع شبان بلا مقابل بداية الأمر، فالهدف لم يكن المال، إنما صارت تريد أن تنتقم بذلك من كل الرجال، كما اعتقدت. في السادسة عشرة من عمرها، صارت أمها تدفعها إلى الدعارة “بطريقة غير مباشرة، فتقول لها: “روحي، بأي طريقة بس جيبي مصاري.
في هذه الفترة تعرفت إلى شاب صارت تحلم بان تتزوج به، فهو وعدها بالهروب معه والسفر إلى أحد البلدان العربية. تعرفت ريم إلى المساعدة الاجتماعية، فاتخذ بحقها تدبير حماية من العائلة والمحيط، فعملت معها غيدا ستة أشهر مع فريق عمل متعدد الاختصاصات لإدخالها مركز حماية حيث تخضع لتأهيل نفسي- إجتماعي، وبعد اشهر قلائل تتم الفتاة الثامنة عشرة من عمرها وتغادر المركز كإنسانة راشدة ” رسمت بوضوح ما مشروع حياتها…
التمييز ضد المرأة، وفق التعريفات الدولية، هو أي تفرقة او استعباد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة وتمتعها أو ممارستها على قدم المساواة مع الرجل، لكافة حقوقها الإنسانية والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر بغض النظر عن حالتها الزوجية. فأين نحن في عالمنا العربي من هذه التعريفات؟