يتناول هذا العدد من «طيبة» موضوعًا قد يبدو مستهلكًا من كثرة المؤتمرات التي أقيمت حوله، والكتب والأبحاث التي تتناوله، ولكن يتميز هذا العدد بتنوع مصادره من حقول معرفية مختلفة وبتركيزه على تطبيقات لنظريات مختلفة للعولمة على حالة مصر وعلى اختيار مقاربة جندرية في معظم مواد العدد.
يأتي كتاب : «المواطنة والعولمة: تساؤل الزمن الصعب» لكاتبه قايد دياب والذي تعرض له في هذا العدد «فاطمة الزهراء رامي» كمقدمة وافية لكل من موضوعي المواطنة والعولمة، حيث يكرس الكتاب عدة فصول لتقديم عرض تاريخي لكلا المفهومين والتطورات التي حدثت لكل منهما عبر عصور مختلفة. ويركز الكتاب على الحالة المصرية وتطبيق مفهوم المواطنة فيها، خاصة بالنسبة للأقليات الدينية، وتأتى أهمية الكتاب من صلاحية هذه التطبيقات في حالة جماعات مهمشة أخرى مثل النساء.
کما يجمع كتاب «الفكر النسوى ما بعد التنموي» والذي تعرض له «نولة درويش» أيضًا بين النظرية والتطبيق في مجال ما بعد التنمية، وهو مفهوم شديد الارتباط أيضًا بمفهوم العولمة؛ ولكن يتميز هذا الكتاب عن سابقه فى تركيزه على حالة النساء في بلدان مختلفة تجمع ما بين الشمال والجنوب، كما يثير الكتاب تساؤلات مهمة حول السياسات السكانية في بلدان الجنوب وحول تمثيل قضايا النساء في بلدان الشمال والجنوب.
يرتبط موضوع کتاب «الفكر النسوى ما بعد التنموى» بورقة : «الديمقراطية التنموية ومشتملاتها: العولمة وتغيير مفهوم المشاركة» لكريستين كيتنج، حيث تناقش الورقة دور بعض المؤسسات التنموية العولمية مثل ما يسمى بـ «وكالة المعونة الأمريكية»، وظهور كيانات أخرى عولمية أيضًا تسعى إلى رفع المعاناة عن الفئات المهمشة في دول عديدة مثل «التحالف الوطني للحركات الشعبية»، وتتجه هذه الكيانات إلى تفكيك الربط بين الديمقراطية والرأسمالية حيث عادة ما يضفى هذا الربط شرعية على بعض الممارسات الرأسمالية للعولمة. وفى ورقتها «العولمة من أسفل» تقدم «إيمان حسن» لبعض حركات مناهضة العولمة، وخاصة الاقتصادية، والتي يبدو منها أنها تأتى أيضًا لصالح الأغنياء والممارسات الرأسمالية العولمية. وتقدم «حسن» في ورقتها دراسة حالة للمنتدى الاجتماعي العالمي أو «الحركة العالمية لمناهضة العولمة»، وهي حركة جديرة بالدراسة الوافية التي تقدمها «حسن» وبدراسات أخرى عديدة حيث تمثل أملاً للمهمشين والفقراء يتمثل في قدرتهم على التنظيم والعمل المشترك.
أما ورقة «الفقر والعولمة والنوع الاجتماعي» التي شاركت في كتابتها «أشويني تامبی» فهي تتناول بالعرض والتحليل مقاطعات الفقر والعولمة والنوع الاجتماعي وذلك من خلال دراسة الآثار السلبية للممارسات الليبرالية الجديدة، وهي إحدى الظواهر العولمية، على حياة الفقراء في دول العالم. وتستخدم الورقة الفقر في حياة نساء كل من موزمبيق والفلبين کدراستی حالة لأنماط مختلفة من الفقر تسببت فيها ممارسات عولمية تظهر آثارها في أقسى صورها في حالة النساء.
عن آثار هذه الممارسات الليبرالية الجديدة على حياة النساء أيضًا تقدم «ياسمين معتز» ورقتها تحت عنوان : «المرأة بين الأطر عبر القومية وسياسات الليبرالية الجديدة: دراسة حالة من مصر»، وفيها تقدم دراسة ميدانية لحالات بعض زوجات المصريين الذين يعملون في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من بقيت منهن في مصر أو من رافقت الزوج في رحلته، بالإضافة إلى دراسة حالات بعض المهاجرات المصريات اللاتي يعملن في الولايات المتحدة أيضًا. وتأتى دراسات الحالة في إطار دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لسياسات العولمة الليبرالية الجديدة على بعض الأسر المصرية، النووية منها والممتدة، وعلى حياة النساء من هذه الأسر، سواء داخل مصر أو في المهجر.
كما يقدم العدد عرضا لكتاب «العولمة وقضايا المرأة والعمل» تكتبه «منى عزت»، والكتاب هو مجموعة أوراق قدمت في مؤتمر نظمه «مركز الدراسات والبحوث والخدمات المتكاملة بكلية البنات بجامعة عين شمس». ويحتوى الكتاب على عدة محاور اشتركت جميعها في تناول الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنساء في مصر، سواء في الريف أو في الحضر أو في المناطق البدوية، في ظل العولمة.
أما مقال يسرى مصطفي: «الجسد الأنثوى والعولمة» فيقدم جانبًا آخر من جوانب العولمة وهو الخاص بأجساد النساء، التي يتم استغلالها اقتصاديًا وسياسيًا على نطاق واسع من خلال ممارسات تجارية عولمية أو من خلال رد الفعل المضاد لهذه الممارسات بزعم «الخصوصية الثقافية».
وفي الختام ، نرجو أن يقدم هذا العدد إضافة لكل ما قدم بالعربية عن العولمة، وأن تستفيد الباحثات/ ين من الوجبة النظرية والتطبيقية الدسمة التي يقدمها هذا العدد حول الجوانب المتعددة للعولمة في كتابة المزيد من الأبحاث الجادة لمفهوم يتخلل حياة الناس اليومية واختياراتهم، وخاصة حيوات النساء، في كل مناحي الحياة.