فتحي فريد: القانون «تسكين دولي» بعد اغتصاب السائحة الروسية وقبلها الإنجليزية
«نظرة» للدراسات النسوية: القانون وحده لا يكفي
«المرأة الجديدة»: القانون يميز بين النوعين لأنه نص على حماية الإناث فقط
مساعد وزير العدل لقطاع حقوق الإنسان: القانون خطوة أولى جارٍ استكمالها
سيبقى التاريخ، وستظل الأيام، شاهدًا على اختلاف «الأمة» المصرية صاحبة الحضارة العريقة عن كل ما سواها من الأمم.
وقد ذكرت دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة أن قرابة 99% من النساء يتعرضن للتحرش والعنف الجنسي اللفظي والجسدي في الشوارع والجامعات والعمل.
ولأن العالم يفكر بطريقة لا يعرفها المصريون، فقد أصابه الذعر من هذه النسبة، وانطلقت منظمات المرأة على مستوى العالم، وهب رجال القوانين، كل يتحرك في اتجاه، وربما استعار هؤلاء من النحل نشاطه وتنظيمه ودقته فبدا العمل من أجل التصدي لهذه الظاهرة «الكارثية» أشبه بالعمل في خلية النحل.
فقط مصر وحدها ظلت صامدة أمام هذه الظاهرة، ربما ثقة في أن عباءة التاريخ والحضارة، فنحن أحفاد قوم كانوا يقدسون المرأة، وأسطورة ورمز الإلهة إيزيس التي كانت تمثل الخير والعطاء والحياة كلها تؤكد أن المرأة المصرية بخير، وربما كان الصمود أيضًا ثقة في أن «تدين» المصريين بفطرتهم يؤكد امتلاكنا ما لا يملكه العالم بأسره، و«يهبنا» القدرة على التصدي لظاهرة التحرش والعنف ضد المرأة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المصريين ربما رأوا ما لم يراه سواهم، وهو أنه إذا كانت 99% من النساء يتعرضن للعنف والتحرش، فقد بقيت نسبة 1% من النساء لم تتعرضن للتحرش أو العنف الجنسي، ومن ثم فإن الأمور على ما يرام، وما زال الأمل يفيض ويجري جريان نهر النيل!!
وإذا طالعنا تصريحات سكينة فؤاد – مستشار رئيس الجمهورية لشئون المرأة، وآخرها تصريح نشرته البديل في 30 مارس الماضي، ندرك بالفعل أننا لا نتحرك بالفزع نفسه الذي تتحرك به كل الأمم، فيبدو أن كل مسئول مصري يدرك خطورة قراره، ومن ثم فإنه يفكر فيه سنوات وسنوات قبل إصداره، وكله ثقة أنه سوف يصدره يوما، ما لم يمت!.
وقد أكرم الله نساء مصر مؤخرا فلم يقبض روح المسئول قبل إصدار قانون التحرش الذي يحمي المرأة، وانتهت بالفعل وزارة العدل، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة من وضع تشريع يناهض التحرش الجنسي بالمرأة، ولم يتبق للعمل بهذا التشريع إلا توقيع الرئاسة عليه وإصداره قانونا رسميا.
«البديل» حاولت رصد قراءات وتحليل بعض الحقوقيين للقانون الجديد…
تقول منيرة صبري – عضو مؤسسة «المرأة الجديدة»، مشروع القانون جاء منقوصا، حيث غابت عن المادة المقترحة أية إشارة للتحرش الجنسي الجماعي، أو مصاحبة الجريمة لاستخدام آلة حادة، أو ارتكابها تحت تهديد الضحية، وكذلك العقوبة «الهزيلة»، وتخيير القاضي بين الحبس والغرامة.
بالإضافة إلى أن صياغة المادة تحوي عدم انضباط في ركن جريمة التحرش المادي، فنص المادة المقترحة يحدد التحرش والمتحرش بقوله: «يعتبر متحرشًا كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص عن طريق التتبع أو الملاحقة، سواء بالإشارة أو بالقول أو بوسائل الاتصال الحديثة أو بأي صورة أخرى، بإتيان أفعال تحمل إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين». والنص على «التتبع والملاحقة» كركن أساسي لتحقق الجريمة، ربما يفتح باب التأويل الفقهي والقانوني حول معاني ودلالات «التتبع والملاحقة»، فضلا عن أن الجريمة يمكن ارتكابها دون تتبع أو ملاحقة.
ويرى فتحي فريد – منسق مبادرة «شفت تحرش»، أن إصدار القانون بهذا الشكل لا يعدو «التسكين المؤقت» للمجتمع الدولي، بعد الضجة الدولية التي أعقبت وقوع حوادث اعتداءات جنسية وجسدية على سيدات أجانب داخل مصر، حيث تعرضت سائحة بريطانية يوم 6 مارس الماضي للاغتصاب من قبل أحد أفراد أمن الفندق الذي كانت تقيم فيه، وتعرضت سائحة روسية يوم 14 مارس إلي اعتداء جنسي من قبل شرطي في إدارة شرطة السياحة.
وأضاف «فريد» أن كل ما رددته «السيدة» سكينة فؤاد عن قانون التحرش الجنسي عار من الصحة، فما تم مجرد تعديل فقرة في قانون العقوبات دون تعريف واضح للجريمة، ودون تحديد أية تدابير لتنفيذ القانون علي أرض الواقع، فلم يتم تحديد كيفية تعامل القوات الشرطية مع وقائع التحرش الجنسي، أو تقديم ضمانات لدعم الناجيات من العنف الجنسي نفسيا، بالإضافة إلى غياب حماية الشهود على الوقائع، مشيرا إلى أن نص القانون الجديد يلزم الضحية بالقبض علي المتحرش ومعه شاهدان واقتيادهم إلى قسم الشرطة.
وأدان «فريد» تلك الرؤى القانونية المتناقضة، فالدولة تحبس المتظاهرين حال «انتهاكهم» قانون التظاهر ثلاث سنوات، بينما «انتهاك» أجساد نساءنا عقوبته سنة واحدة!!
وطالب منسق «شفت تحرش» بإعادة تأهيل المتحرشين، ووضعهم حال تطبيق عقوبة الحبس، داخل سجن عمومي، وعدم مخالطتهم المسجونين الجنائيين، حتى لا يخرج المتحرش إلى المجتمع وقد استحال أكثر إجراما.
وقالت الدكتورة مزن حسن – رئيس «نظرة» للدراسات النسوية، إن مقترح قانون تجريم التحرش الجنسي الذي خرج من وزارة العدل جاء مخيبا لآمال المنظمات النسوية، خاصة أن هذه المنظمات كانت تطالب بتعديل 4 مواد في قانون العقوبات لتشمل تعريفات محددة بتهمة الاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي بجميع أنواعه وأنماطه، وكذلك تعديل تعريف الاغتصاب ليشمل الاغتصاب بالأصابع والأدوات الحادة، بالإضافة إلى الشرج والاغتصاب عن طريق الفم.
وأضافت أن قانون تجريم التحرش الجنسي لن يحل المشكلة بمفرده، فلا بد من وضع إستراتيجية وطنية تشارك فيها المنظمات الحقوقية والنسوية لمكافحة العنف ضد المرأة من خلال آليات متعددة في المؤسسات المختلفة من بينها المجلس القومي للمرأة، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الداخلية.
وأوضحت «حسن» أن المنظمات النسوية اجتمعت على مطالب محددة، منها توحيد النصوص القانونية الخاصة بجرائم العنف الجنسي في باب واحد، وتحديدا الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، بدلا من تفرقها في ثلاثة أبواب منفصلة، وأن تكون تحت عنوان “جرائم العنف الجنسي” بدلا من “هتك الأعراض” بالإضافة إلى ضرورة إقرار عقوبات متناسبة مع الأفعال المجرمة دون إفراط أو تفريط لأن الهدف من القانون فلسفته وليس العقوبة المقررة فيه، وقدرته علي التصدي للظاهرة ووقفها.
من جانبه، رد المستشار أحمد السرجاني – مساعد وزير العدل لقطاع حقوق الإنسان، على هذه الانتقادات قائلا إن التدابير الخاصة بتأهيل المتحرشين ودعم المعتدى عليهن نفسيا خطوات لاحقة سوف يجري تنفيذها تباعا بعد إقرار القانون. مشيرا إلى وجود مقترح بإنشاء صندوق لتأهيل ضحايا التحرش، يضم عدة جهات منها مجلسي القومي للمرأة والطفولة والأمومة، وهذا الصندوق معني بكل أشكال العنف ضد المرأة مثل الزواج القسري والمبكر والاستغلال الجنسي.
وأضاف أن قطاع حقوق الإنسان بوزارة العدل طالب وزارة الداخلية بإنشاء وحدات متخصصة في كل مركز من مراكز الشرطة يتكون من ضابطة سيدة على الأقل، تمتلك الخبرة القانونية والنفسية على تلقي البلاغات والانتقال إلى المجني عليهن، وتقديم الدعم النفسي لهن، خاصة أن حالات العنف الجنسي تكون مركبة وتحتاج لطريقة خاصة في الاستماع إلى الضحايا.
وأشار «السرجاني» إلى أنه يحسب للقانون الجديد أنه لأول مرة يتم تعريف جريمة التحرش الجنسي في قانون العقوبات، فالتعريف لم يكن موجودا من قبل، ولأول مرة أيضا يتم تجريم التحرش الجنسي في حال ارتكاب الفعل المجّرم بمكان العمل، أو كان الفاعل هو صاحب العمل، أو ممن لهم سلطة علي المجني عليها بمناسبة العمل، ويُعاقب الجاني في هذه الحالة بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه.