كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن أن 40 بالمئة من حالات الزواج، التي تمت خلال السنوات الخمس الأخيرة، انتهت بالطلاق، مقابل 900 ألف حالة زواج تتم سنويًا، الأمر الذي دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، للإشارة إلى تلك الإحصائية المخيفة، في كلمته خلال احتفالات الشرطة المصرية يوم 25 يناير الماضي، وطالب باستصدار قانون يحتم على الزوجين أن يكون الطلاق أمام “المأذون” وليس شفهيًا، حتى لا يكون أمرًا سهلًا .
وأكدت الإحصائيات الرسمية، الصادرة من محاكم الأسرة، أن الخلافات الزوجية على النفقات المعيشية كانت وراء نسبة 15 بالمئة من دعاوى الطلاق والخلع التي أقيمت خلال عام 2016.
وكشفت، من خلال استطلاع آراء “عيّنة” من السيدات المتزوجات والمطلقات، نشرته وكالة أخبار المرأة، أن الخلافات الزوجية تكون عادة بسبب النفقات الأسرية اليومية، وتضمن الاستطلاع عدة أسئلة طُرحت على العينة، حول أهمية الذمة المالية للزوجة، ومدى تأثيرها على سير الحياة الزوجية، وهل تم الاتفاق بين الزوجين على كيفية الإنفاق منذ بداية الزواج أم لا، وراتب الزوجة، وهل يحق لها أن تقتنص منه جزءًا لنفسها دون علم الزوج لتشتري به مجوهرات أو أملاكًا، وإذا ما اكتشف الزوج ذلك.. هل تكون هناك اعتراضات منه تصل إلى حد الخلاف؟
اتفقت السيدات على أن المرأة العاملة التي تتقاضى راتبًا شهريًا، هي الأكثر معاناةً في حياتها الزوجية من تلك التي لا تعمل وتعتمد في إنفاقها على راتب الزوج فقط، إذ أن هذه الأخيرة تكون في إحدى الوضعيتين المحتملتين؛ فإما أن زوجها يعطيها الراتب كله وتقوم هي بتقسيمه على ميزانية المنزل حسب ما تراه مناسبا، (وهذا نادرًا ما يحدث من قبل الأزواج)، وإما أن الزوج يعطي زوجته جزءًا من راتبه (مصروفًا شهريًا)، ولها حرية الإنفاق على التزامات البيت، من فواتير ومأكل وإيجار وغيرها، ويمكن للزوجة في حالة نجاحها في خلق التوازن بين المال والنفقات، أن تدخر جزءًا من هذا المصروف، ليكون عونًا لها وقت الحاجة، وهي في هذه الحالة تسلك أحد المسلكين؛ فإما أن تخبر الزوج بذلك، وإما تخفيه عنه في البعض من الحالات، حسب شخصية الزوج، وتقبله لذلك من عدمه.
البعض من سيدات “العينة”، ذكرن أنهن يعانين من تحكم الزوج في رواتبهن، ومن هنا تُخلق المشكلة، فأغلبهن لم يتفقن مع شركائهن منذ بداية الزواج على خطة للإنفاق، كأن لا يحدد الزوجان ما إذا كان الاثنان سينفقان معًا، ثم يستطيعان ادخار ما يفيض عن الحاجة، أو لم يتفقا على تحديد سقف ما للنفقات الشهرية، ومن منهما سيكون المسؤول عن تغطية الجزء الأكبر من تلك النفقات.
قالت سهير لطفي، أستاذة علم الاجتماع، بحسب وكالة أخبار المرأة، إن التفاهم بين الأزواج أصبح مفقودًا في ظل الظروف المعيشية الصعبة الحالية، والتي تتزايد حدتها يومًا تلو آخر، حيث أصبحت “المادة” اللغة المستخدمة في الزواج الآن، بدءًا من الخطوبة والشبكة (أي الهدية من العريس للعروس)، وتجهيزات منزل الزوجية، والاتفاق على مقدم المهر والمؤخر، وغير ذلك، وبعد الزواج يدب الخلاف بسبب من منهما سينفق أكثر.
ولفتت سهير النظر إلى أن اختيار الأزواج لزوجاتهم أو العكس، واختيار العائلات للعريس أو حتى العروسة، يتمان (الاختياران) حاليًا على أساس راتب الزوج أو الزوجة، وأن هناك البعض من الرجال يختارون زوجاتهم حسب وظائفهن ورواتبهن، وليس هذا فحسب، بل إن الزوج يتعمد الاختيار من بين عدة مهن أساسية، توفر رواتب مرتفعة، كالمُدرسة أو الطبيبة أو الصيدلانية أو المهندسة، وهنا يتحول الزواج في نهاية الأمر بالنسبة لجميع الأطراف إلى “مجرد صفقة”.
أكدت سهير طلب، أستاذة علم الحديث الشريف، بجامعة الأزهر في القاهرة، أن استبداد الكثير من الأزواج، ناتج عن ضعف مقومات التربية التي تجعل من الزواج مجرد عملية بيع وشراء لكلا الزوجين، لافتة إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الأزواج، إما أنه -أولًا- بخيل تمامًا، أي يبخل على نفسه وأهل بيته وعلى كل المحيطين به، وإما أنه –ثانيًا- شحيح، فيبخل على نفسه والآخرين، وإما أنه -ثالثًا- “حريص”، هذا النوع ليس بخيلًا ولكنه يحب أن يشتري بأمواله ما يدخره من ممتلكات، ويحتفظ بنقوده في البنك، ومن ثم فهو ينفق على أسرته بشكل محدود جدا.
وأشارت إلى أن الشريعة الإسلامية، أعطت الحق للزوجة في أن تكون لها ذمتها المالية المستقلة، وأن البعض من الأزواج يخالفون اتفاقهم مع زوجاتهم، ما يفقد الزوجة ثقتها في زوجها، ويترك في نفسها غضاضة منه، ومن الواجب أن تكون للزوجة حرية التصرف في جزء من مالها تنفقه كما تشاء، أو حتى تعطي منه لأهلها، أو تدخره.
الزواج المبني على المصالح المادية، يكون في غالبيته جامدًا وغير رحيم، ومع أول خلاف بين الزوجين تسقط الأقنعة، وتصبح المادة هي الفيصل بينهما، وحتى عند الطلاق يتوقف الأمر عند من سيتنازل للآخر عن الحقوق والواجبات المادية، فهناك زيجات يتوقف طلاقها على طلب الزوج أن تتنازل الزوجة عن تكاليف نفقة المتعة وكافة حقوقها المادية مقابل أن يوافق هو على تطليقها، خصوصًا وأنه يعلم أن ضغطه على الزوجة بذلك سيجعلها تلجأ للقضاء لرفع دعوى خلع، وفي هذه الحالة ستضطر أيضًا للتنازل عن حقوقها كما ينص القانون.
والواضح أن تلك المشكلات أساسها غياب الوازع الأخلاقي لدى الكثير من الأسر، والزواج القائم على الموّدة والرحمة هو الأنجح مهما طغت الظروف المعيشية الصعبة، فالأزواج المتفاهمون أكثر نجاحًا في حياتهم، وهم من يستطيعون الموازنة بين نفقاتهم الشهرية ورواتبهم، وهم القادرون على جعل حياتهم سعيدة دون أن يجور أحد الزوجين على حق الآخر.
موقع مصريات