بينما تتمحور القضايا الأساسية للمرأة حول التمكين السياسي والاقتصادي، تأتي معظم الخطابات مختزلة في إطار التفاوت التمثيلي بين الرجل والمرأة لاسيما في المجالس المنتخبة (مجلس النواب – المحليات) والذي هو بالأساس نتيجة وليس سببا لتراكم سياسات التهميش والاستبعاد لصالح سيطرة الخطابات التقليدية ذات النزعة الذكورية، مكتفية بأطروحات نظرية ذات طابع احتفالي تؤكد على المساواة الكاملة دون طرح آليات جديه موضوعية تسهم في تحقيق هذه المساواة وقد درجت غالبية الفاعليات السياسية و المدنية، لاسيما الحقوقيه منها،اعتماد مطلب تطوير التشريعات القانونية القائمة بما يحقق وضعاً أفضل للمرأة المصرية في مجال الشأن العام، علي أن المجال الخاص ، لا سيما في العمل ، ما زال الواقع المصري يشهد العديد من السلبيات و تبني العديد من القطاعات المجتمعية لخطاب يحرم و ينتقص من حق المرأة في العمل و يجعل اعمال مبدأ المساواة الانساني و الدستوري محل شك كبير.
ذلك ان المتتبع لوضع النساء في سوق العمل، من السهولة بمكان أن يرصد التفاوت بين ما قررته المواثيق و الاتفاقات الدولية و أيضا نصوص الدستور ، و بين مواد قانون العمل الخاصة بتشغيل النساء و ايضا اللوائح و القرارات التنفيذية المنظمة ، فضلا عن معطيات سوق العمل التي تنتقص كثيرا من الحقوق الاساسية للنساء في مجال العمل و تجعل التمييز ضد المرأة أحد العناوين الرئيسية في مجال العمل
و وفقا لاتفاقية القضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، يعني مصطلح ” التمييز ضد المرأة ” أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
بينما عرفت اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التمييز في الاستخدام و المهنة رقم 111 لسنة 1958 التمييز بأنه أي تفريق او استبعاد او تفضيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين….و يكون من شأنه ابطال أو اضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستحدام و المهنة
هذا و قد تضمن الفصل الثاني من الباب السادس ” تنظيم العمل” المواد من ( 88) الي ( 97) الاجكام الخاصة بتشغيل النساء و أشارت المادة ) ٨٩ ( الي أن الوزير المختص يصدر قرارا بتحديد الأحوال والأعمال والمناسبات التى لايجوز فيها تشغيل النساء فى الفترة ما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحًا .كما نصت المادة ) 90 ( علي أن يصدر الوزير المختص قرارًا بتحديد الأعمال الضارة بالنساء صحيًا أو أخلاقيًا ، وكذلك الأعمال التى لا يجوز تشغيل النساء فيها .
و تنفيذا لأحكام المادتين السابقتين صدر أولا القرار رقم 155 لسنة 2003 فى شأن تحديد الأعمال التى لا يجوز تشغيل النساء فيها.و قد حددها القرار في 29 جزمة عمل ( عند تفكيك هذه الحزم فإن الرقم سوف يتضاعف كثيرا )
ثم صدر قرار وزير القوى العاملة رقم 183 لسنة 2003 بِشأن تنظيم تشغيل النساء ليلا.
و الذي تضمن عدم جواز تشغيل النساء ليلا في أية منشأة صناعية أو أحد فروعها في الفترة ما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحا .
باعتبار تلك الاعمال ( 29 نوع عمل ) و العمل ليلا في المنشآت الصناعية ضارة بالنساء صحيا أو أخلاقيا ، و من ثم و بمفهوم المخالفة فإن النص يسمح للرجال بالعمل في المهن الخطرة و المضرة أخلاقيا، حيث يجب الحفاظ علي أخلاق النساء في المجتمع دون الرجال
و بالرغ من من أن المشرع قد خصص كتابا كاملا من القانون ( الكتاب الخامس ) للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل و ألزم المنشأة وفروعها بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل فى أماكن العمل بما يكفل الوقاية من المخاطر الفيزيائية و الميكانيكية و من خطر الإصابة بالبكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات وسائر المخاطر البيولوجية متى كانت طبيعة العمل تعرض العمال لظروف الإصابة به والوقاية من المخاطر الكيميائية الناتجة
عن التعامل مع المواد الكيميائية الصلبة والسائلة والغازية و توفير وسائل الوقاية من المخاطر السلبية والتى تنشأ أو يتفاقم الضرر أو الخطر من عدم توافرها، كوسائل الإنقاذ والإسعاف والنظافة والترتيب والتنظيم بأماكن العمل ، والتأكد من حصول العاملين بأماكن طهو وتناول الأطعمة والمشروبات على الشهادات الصحية الدالة على خلوهم من الأمراض الوبائية والمعدية ، فضلا عن الوقاية من مخاطر الحريق وألزم المنشأة وفروعها بإجراء تقييم وتحليل للمخاطر والكوارث الصناعية والطبيعية المتوقعة وإعداد خطة طوارئ لحماية المنشأة والعمال بها عند وقوع الكارثة
و بالرغم من كل هذه الاشتراطات التي تضمنها القانون لتوفير ضمانات السلامة و الصحة المهنية للعمال و تأمين بيئة العمل ، فضلا عن العديد من القرارات الوزارية المنظمة ، نجد المشرع و تحت زعم حماية النساء يقرر حرمانهن من القيام بالعديد من الاعمال و أيضا حرمانهن من العمل ليلا في المنشآت الصناعية حماية لهن من المخاطر الاخلاقية و الصحية ، أما الرجال في مجال العمل فلهم مطلق الحرية في اختيار نوع العمل دون النظر للمخاطر الاخلاقية أو الصحية .
ذلك أنه وعلي خلفية حماية النساء و النظر اليهن كجماعة ضعيفة ، تحتاج الي الحماية من وجهة نظر مجتمع ابوي / ذكوري قد تدخل وبإرادة منفردة ليحرم النساء ويصادر ارادتها وحريتها فى ان تختار طواعية العمل الذي يناسبها والذى- قطعا – يختلف من امراة لاخري حسب اختلاف ظروفها واحتياجها و قدراتها، كما يمنح المشرع السلطة شبه المطلقة للوزير المختص فى تقدير حالات الترخيص أو الحظر دون أدني أعتبار للإرادة الحرة للمرأة
بينما كان الاكثر اتساقا ومفاهيم المساواة وعدم التمييز جعل الحماية رخصة لدي المرأة تقدرها حسب ارادتها و وفقا لظروفها و احتياجاتها ويقتصر النص على حظر اجبار العاملة على العمل ليلا أو المجالات التى تشكل خطورة ما .
إن مناقشة قضايا المرأة لا ينبغي أن تتم بمعزل عن مناقشة قضايا المجتمع ليس على خلفية أن المرأة نصف المجتمع وشريك للرجل وما إلى ذلك الخطاب الدعائي وإنما لأنها في جوهرها اشكاليات مجتمعية تنطوي على طريقة في التفكير ومنهج في العمل وأسلوب في الممارسة للحقوق والواجبات، فمازال المشهد المصري يحفل بالخطابات التي تضفي على المرأة أهميتها في كونها الأم والزوجة والأخت والابنة في إطار تدشين لمركزية الرجل، هذا الخطاب يمثل بلورة لمفاهيم المجتمع الأبوي/ الذكوري ويساعد في تنميط صورة المرأة باعتبارها تابع وليس شريك ويقصر وظائفها المجتمعية في مساعدتها للرجل للقيام بأعبائه سواء داخل المنزل أو في العمل.
محمد عبد العاطي
باحث واستشاري بمنظمة العمل الدولية