لعل أحد أسوأ ما يمكن أن يأتى به دستور مصر الجديد هو أن يسعى إلى «دسترة» النظام الانتخابى الجديد فيه، سعيًا أو رغبة فى منع الطعن عليه فى المستقبل إذا ما تناولته القوانين الانتخابية. يذكر ذلك لأنه يتردد بقوة الآن من داخل أروقة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أن هناك اتجاها لتأكيد وضع النظام الانتخابى فى الدستور، وهذا الأمر جد خطير. فالنظام الانتخابى ليس بالقضية التى تحل بتلك البساطة فى مصر. فالنظام المصرى يعد من أكثر النظم السياسية التى عانت فى الأربعين عامًا الأخيرة من تبدل النظم الانتخابية، بشكل أدى إلى عدم الاستقرار على صعيد المؤسسة التشريعية. الأمر الذى يحتاج إلى حوار مجتمعى حقيقى للاتفاق بين القوى السياسية على طبيعة هذا النظام عوضًا عن لى ذراع الكافة بمادة أو أكثر فى الدستور.
هنا تجب الإشارة إلى أنه من بين 8 مجالس برلمانية نشأت منذ 1984 حتى الآن سقط 6 منها، وذلك على النحو التالى:- حكم القضاء بعدم دستورية قانون مجلس الشعب، بسبب عدم المساواة بين المرشحين على القوائم الحزبية والمستقلين، ما أسفر عن عدم إكمال مجلس الشعب مدته الدستورية، وفى هذا الصدد يبرز سقوط برلمانات 1984، و1987، و2012. وحكم القضاء بعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية، بسبب عدم الإشراف القضائى الكامل على صناديق الاقتراع، وهو ما تمثل فى سقوط برلمانى 1990 و1995- رغم اكتمال مدتهما الدستورية. وحكم الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 بسقوط مجلس الشعب المؤلف عام 2010، بسبب تزوير الانتخابات التى جرت على أساسه.
كل ما سبق يجعلنا نفكر مليًا قبل دسترة النظام الانتخابى، لا سيما إذا ما جاء النظام الذى سيتم دسترته مخالفًا للقضاء الدستورى والسوابق التى سطرتها المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها فى العقود السابقة.
وتفصيليًا تبرز المشكلة فيما نشرته «المصرى اليوم» منذ أيام من اتجاه للأخذ بالنظامين الفردى والقائمة فى انتخابات مجلس الشعب مع حق المستقلين والحزبيين فى خوض الانتخابات على بساط أو مائدة الطرف الآخر. هنا تأتى المشكلة وهى استحالة تحقيق المساواة بين الطرفين، حتى لو كانت الأنصبة متساوية كميًا. فهناك طرف منظم وآخر غير منظم. وهناك طرف بالملايين وآخر بالآلاف…إلخ كل هذا يجعل المزج بين النظامين مهما سلمت النوايا شبه مستحيل ومحكوما عليه بالفشل حتى بعد دسترته.
المؤكد أننا حققنا بعد الثورة نجاحات حقيقية على الصعيد الانتخابي، إذ توافرت النوايا والإرادة السليمة من قبل السلطة لإنجاز انتخابات حرة ونزيهه وشفافة. وتم الأخذ بقاعدة بيانات الرقم القومى كمصدر وحيد لسجلات الناخبين. ومنح المصريين المقيمين فى الخارج حق المشاركة فى الاقتراع. وعاد الإشراف القضائى الحقيقى على مقرات الاقتراع الفرعية والفرز. كما نأت وزارة الداخلية بنفسها عن التدخل فى العملية الانتخابية.
ورغم ذلك ما زلنا بحاجة ماسة إلى المزيد من الجهد الدستورى والقانونى. دستوريًا بحاجة إلى إنشاء مفوضية عليا للإشراف على الانتخابات يتم تقريرها فى الدستور كمبدأ، بما يفضى لتأليف لجنة عليا مستقلة لإدارة العملية الانتخابية، بحيث تكون تلك اللجنة لجنة دائمة، تعنى بإدارة كافة العمليات الانتخابية سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية أو استفتاءات.
وإلغاء نسبة العمال والفلاحين المخصصة فى تركيبة العضوية فى مجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، لما فيها من غبن وعدم مساواة بين المواطنين، والتباس كبير فى أعمال الاقتراع والفرز وإعلان النتائج. وقانونًا، نحن بحاجة لحوار بعد الدستور للوصول لنظام انتخابى وفاقى، وقانون موحد لتنظيم الانتخابات بدلا من التعدد والتشتت القائم بين أكثر من أربعة قوانين، كما أننا بحاجة إلى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تلائم الواقع الانتخابى من حيث تناسق التمثيل بين أعضاء الهيئة المنتخبة الواحدة، وأخذ البعد الجغرافى والديمغرافى فى الاعتبار
عمرو هاشم ربيع