فى نفس الأسبوع الذى وقعت فيه الفلبين على ميثاق العمل الملائم لعمال الخدمة المنزلية، الصادر عن منظمة العمل الدولية، يتم اشهار أول نقابة فى مصر لعاملات المنازل. يوم الثلاثاء الماضى، وبعد جهد لمدة شهور بمساندة عدد من منظمات المجتمع المدنى المعنية، تمكنت ٢٥٠ عاملة من إشهار أول نقابة مستقلة لهن بعد تعديل اسمها إلى «نقابة العاملات بالأجر الشهرى»، وفقا لاشتراط وزارة القوى العاملة.
وفقا لاحصائيات منظمة العمل الدولية هناك أكثر من ٥٢.٦ مليون إمرأة ورجل فى العالم فوق الـ١٥ سنة يرتزقون بالأساس من العمل فى المنازل، وهو ما يمثل ٣.٦٪ من قوة العمل بأجر على الكوكب، ٨٣٪ منهم نساء هن ٧.٥٪ من العاملات بأجر فى العالم كله. ويقول الميثاق، الذى وقعت عليه دولتان فقط حتى الآن هما أوروجواى والفلبين إن «العاملين بالمنازل يقدمون مساهمات هامة لعمل القطاع العائلى وأسواق العمل، وبالرغم من ذلك فإنهم مستبعدون من الحماية الاجتماعية ومن قوانين العمل ومعرضون للتمييز ضدهم وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى».
عاملات المنازل فى مصر
لا توجد إحصائيات دقيقة ولا أرقام رسمية موثوقة تخبرنا عن عدد العاملين بالمنازل فى بلادنا. مثلا تدرجهم إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء فى آخر تعداد عام ٢٠٠٦ ضمن فئة تتضمن «خدمات المجتمع والخدمات الاجتماعية والشخصية الأخرى، خدمات أفراد الخدمة المنزلية للأسر الخاصة، المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية والسفارات والقنصلية الأجنبية»، وهى فئة إجمالى عددها لا يتجاوز ٤٠٠ ألفا منهم ٤٧ ألف إمرأة فقط. وينبع غياب الاحصائيات والأرقام الدقيقة من أن هذه الشريحة من قوة العمل (تتجاهلها أيضا مؤشرات النمو الاقتصادى)، تمثل تقاطعا واشتباكا لطائفة من الانتهاكات والأوضاع الرديئة فى غياب شبه كامل للحماية القانونية، تجعلها من أكثر قطاعات العمل تهميشا وتعرضا للاستغلال.
الأغلبية العظمى من عمال الخدمة المنزلية من النساء وبالتالى يسرى عليهم ما يسرى على قوة العمل النسائية من استبعاد وتمييز سلبى. وتقول إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء إن معدل البطالة يرتفع من ١٢٪ بين الذكور إلى ٢٩.٦٪ بين الإناث، وذلك خلال الربع الثانى من ٢٠١٢، ناهيك عن التمييز فى الأجور.
ثم تخبرنا دراسة ميدانية أجرتها الجامعة الأمريكية فى ٣ محافظات هى الفيوم والمنيا وأسيوط، وأعلنت نتائجها فى منتصف ٢٠١٠، عن عنصر آخر للتهميش والاستغلال والتمييز فى هذه الفئة وهو عمالة الأطفال. وتقدر الدراسة عدد عمال الخدمة المنزلية ممن تقل أعمارهم عن ١٦ سنة فى ال ٣ محافظات فقط بـ٥٣ ألفا أغلبيتهم من البنات الصغيرات. يعمل هؤلاء وفقا للدراسة، مابين ٥ إلى ١٠ ساعات يوميا للتنظيف والطبخ ورعاية الأطفال، لكن غالبا ما يطلب منهم أصحاب العمل أن يكونوا متاحين على مدار اليوم. ويتراوح ما يتقاضاه هؤلاء الأطفال ما بين ١٠٠ جنيه و٣٠٠ جنيه شهريا وعادة ما ينامون على مرتبة فى المطبخ أو فى غرفة مشتركة.
ويجيء هؤلاء وغيرهم من عاملات المنازل من خلفية تهميش أخرى هى الفقر. فأغلبهن يجئن من أسر ترسل بناتها للعمل بالمنازل لأنهم أفقر من أن يتحملوا نفقاتهم وعلى أمل أن يوفروا بعض المال لمساندة العائلة. وبينما لا تشمل الدراسة الأطفال الذين يتم إرسالهم للخارج للعمل، فإنها ترصد شهادات لانتهاكات جنسية وضرب وتعذيب وسوء المعاملة.
ثم تفاجئنا تقارير الصحافة العالمية بعنصر آخر جديد فى الخدمة المنزلية هو العاملات الوافدات، اللائى يتعرضن لبعض ما تتعرض له المصريات. وتصل التقديرات لعدد العاملات الأجانب فى هذا القطاع إلى ما يتجاوز ٨٠ ألفا، يتقاضين فى المتوسط ٤٠٠ دولار شهريا ويجئن فى معظمهن من الفلبين وإندونيسيا وجنوب السودان.
وتقول منظمة العمل الدولية إن الدول الأعضاء بها، ومن بينها مصر، والتى وافقت على ميثاق العمل الملائم لعمال الخدمة المنزلية، يفترض بها تبنى الميثاق رسميا وتعديل التشريعات المحلية وفقا له لتنظيم هذا القطاع وعلاقة العاملين والعاملات فيه بأصحاب العمل. وفى مقال على موقع المنظمة، تقول ندى الناشف، المدير الإقليمى للدول العربية بها، إن «النضال من أجل العدالة الاجتماعية يبدأ هنا: حماية الفئات الأضعف من قوة العمل».
المهمشون ينظمون أنفسهم
وضعية عاملات المنازل فى مصر تجعل منهن بامتياز إحدى الفئات الأكثر تعرضا للتهميش والاستغلال والانتهاكات فى قوة العمل. وعندما تكتشف بعضهن مصالحهن المشتركة، ويبدأن بالفعل فى تنظيم أنفسهم للدفاع عنها، فإن هذا تطور هائل فى تركيب مجال الفعل العام، لم يكن ليحدث لولا ثورة يناير. فكما رأينا هن من أضعف مكونات قوة العمل وأفقرها وأقلها حظا فى التعليم. بل ويفتقرن أيضا بسبب طبيعة عملهن إلى الوضعية التنظيمية التى تدفع عمال مصنع للاصطفاف فى نقابة. لهذا فبالرغم من أن النقابة الجديدة تبدأ ب ٢٥٠ عاملة فقط، ومازال الوقت مبكرا للحكم على استمراريتها ونجاحها، فإن الخطوة بطولية وذات دلالة هائلة، إذ أن عاملات المنازل جزء من ظاهرة أعم.
وبحسب مشاهدات نشطاء العمل النقابى، هناك موجة واسعة (لا تهتم الصحافة بحصرها ولا التعامل مع أخبارها) من النقابات المستقلة التى تتأسس فى كل أنحاء مصر بدأت تضم القطاعات الأكثر تهميشا من قوة العمل والأبعد عن النقابات على مدار سنوات طويلة: عمال اليومية، الباعة الجائلون، الصيادون، عمال قمائن الطوب. وبعض هؤلاء يبادر بتأسيس هذه النقابات، دون حتى نوع المساندة القانونية التى تلقتها عاملات المنازل من المجتمع المدنى، بحثا عن موطىء قدم فى مجتمع تجاهلهم وتجاهل حياتهم ومصالحهم عقودا طويلة.
إن واحدة من مميزات الثورات الشعبية هى أنها تكشف للعاديين المهمشين المستبعدين من صنع القرار ومن جنى ثمار عمل أيديهم، أنهم فاعلون ومؤثرون وأن لهم قولا وأنهم يحتاجون لأن ينظموا أنفسهم لكى يفرضوا أن يكون لهم مكان فى اتخاذ القرار. إن تنظيم الناس فى نقابات تعبر عنهم وعن مصالحهم واستمرار هذه الموجة خليق أن يغير عالم السياسة والأحزاب والعمل العام المحتكر لحساب القلة.
أهلا بمواطنينا المهمشين فى ساحة العمل العام ومنها إلى ساحة السياسة، أهلا بالقوة الحقيقية الممثلة للناس.. قوة التغيير الجذرى المنظمة التى يصعب أن يوقفها أحد
1 Comment
عقبال مصر لما تصدق على اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين